للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أقدام الجلادين يبكي ويسترحم، ولكن لا سامع ولا مجيب: وشهروا السيف وأرادوا أن يُهووا به على عنقه.

وهنا صاح الملك: هذا لا يمكن. أنه حلم، ونفض الملك رأسه فعاد كما كان: إيزرهادن.

وقال إيزرهادن: يا إلهي كم قاسيت من العذاب. وكم طال هذا الكابوس.

فأجاب الشيخ ذو اللحية: كم طال هذا الكابوس!؟ إنه لحظة يا صاحبي دونها غفوة العين. . . فهل فهمت الآن؟

فنظر الملك في رعب ولم يجب.

فقال الشيخ أرأيت أن ليللي هو أنت، وأن الجنود الذين عذبتهم وقتلتهم ليسوا أحداً غيرك؟ إنك تظن أيها الملك أن الحياة تجري في عروقك وحدك، ولكنني أريتك أنك بعمل الشر للآخرين إنما عملته لنفسك لأن الآخرين وأنت شيء واحد، فالحياة واحدة في الجميع وإنما حياتك جزء من هذه الحياة العامة وصورة منها مصغرة: وإلا فخبرني هل يمكنك أن تجعل الحياة أسوأ مما هي أو أحسن مما هي؟ هل يمكنك أن تمدها حتى تطول، أو تقبضها حتى تقصر؟. . . كلا فما في استطاعتك أن تحقق الحياة إلا في نفسك وذلك بأن تحطم الحواجز بين حياة الآخرين وحياتك، وبأن تنظر إلى الآخرين النظرة التي تنظرها إلى نفسك وتحبهم كما لو كانوا منك. بهذا تزيد نصيبك في الحياة، إنك تنظر إلى حياتك كأنها الحياة الوحيدة في الكون وتريد أن تزيدها بما تأخذ من حياة الآخرين، وأنا أقول لك إنه بنفس هذا العمل إنما تخطئ في حق نفسك لأنه مستحيل وفوق قدرتك أن تسلب الحياة التي توجد في الآخرين. وخطأ أن تظن أن حياة الذين قتلتهم قد اختفت في الواقع أبداً، فالحياة لا تعرف الزمان ولا المكان.

حياة لحظة وحياة ألف عام وحياتك أنت وحياة كل الكائنات الكثيرة والمتنوعة في الوجود، كل هذا سواء، وواحد لا يختلف. مستحيل أن تسلب الحياة أو تّهبها لأحد. الحياة هي الشيء الوحيد الذي يوجد إلى الأبد؛ وكل شيء عداها نتخيل أنه موجود وهو وهم باطل.

قال الشيخ هذا واختفى.

وفي الصباح أصدر الملك إيزرهادن أمره بإطلاق سراح الملك ليللي وإلغاء كل أحكام الإعدام. وفي الثالث استدعى إليه ابنا أشور بانّي يال وتنازل له عن الملك بكل قوته

<<  <  ج:
ص:  >  >>