هرون يا سؤلي وقيت الردى ... قلبي بعتب منك مشغول
مازلت منذ خلفتني في عمى ... كأنني في الناس مخبول
ولعلية قلب ضعيف لا يحتمل القهر والهجر، فكانت تستعين بدموعها في تخفيف أحزانها وأشجانها وتروح بها عن نفسها وتنفس كربتها:
بليت بقلب ضعيف القوى ... وعين تضر ولا تنفع
إذا ما ذكرت الهوى والمنى ... تحدر من جفنها أربع
وكنت تراها تتنقل في حدائق قصرها الواسعة، تمتع نظرها بأزهارها وأشجارها وتصغي إلى ترديد أطيارها وخرير مياهها وحفيف أشجارها، فينعكس هذا في نفسها فتردده شعراً، تقف على الزهرة فتشمها وتناجيها، وعلى الساقية تردد معها الألحان، وأمام الحمام تشاركه السجع، ومع الهزار تشاركه التغريد. ومن أوصافها الجميلة أنها رأت ريحانه تميل مع الريح فمال قلبها إليها فاقتطفتها وقالت:
كأنها من طيبها في يدي ... تشم في المحضر أو في المغيب
ريحانة طينتها عنبر ... تسقى مع الراح بماء مشوب
عروقها من ذا، وتسقي بذا، ... ممزوجة يا صاح طيباً بطيب
تلك التي هام فؤادي بها ... ما إن لدائي غيرها من طبيب
هذا هو الشعر الحقيقي الصادر عن شعور خالص لا أثر فيه للتكلف ولا للمبالغة والتهويل. ولها أبيات معانيها مبتكرة، وتجري مجرى الأمثال يتناقلها الناس عصراً بعد عصر منها:
رأيت الناس من القى ... عليهم نفسه هانا
فزر غباُ تزد حباً ... وإن جرعت أحزانا
وقولها:
ما ينظر الناس إلى المبتلي ... وإنما الناس مع العافيه
وقولها:
الحب أول ما يكون جهالة ... فإذا تمكن صار شغلاً شاغلاً
عفافها
كانت علية مثالاً صالحاً، وقدوة حسنة للمرأة المسلمة التي تعبد ربها حق عبادته ولا تنسى