للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على المتوكل في سامراء بسبب اتساع نفوذه الأتراك واستفحال خطرهم، ولم يكن ليخضد من شوكتهم في شيء قتله إيتاخ عام ٢٣٥هـ، وكان المدبر لفتنتهم والمتولي كبر هذا الأمر فيهم. فصح عزم المتوكل على تغيير عاصمة خلافته والانحياز إلى دمشق ليكون بمنجاة من كيدهم وتطاوله. . وغدا عليه البحتري - مستحسناً محبذا - يقول:

إن دمشقاً أصبحت جنةً ... مخضرَّة الروض عَذَاة البرق

هواؤها الفضفاض غض الندى ... وماؤها السلسال عذب المذاق

والدهر طلق بين أكنافها ... والعيش فيها ذو حواش رقاق

ناظرة نحوك مشتاقةٌ ... منك إلى القرب ووشك التلاق

وكيف لا تؤثرها بالهوى ... وصيفها مثل شتاء العراق؟!

وأنفذ المتوكل عزمه في عام ٢٤٣هـ، فشخص إلى دمشق ونقل إليها دواوين الخلافة، ووطن نفسه على المقام بها. فلم يكن عجيباً حينذاك أن نسمع البحتري يقول في قصيدة له، وكأنما هو يتنفس الصعداء بعد طول اللهفة وفرط الانتظار:

قد رحلنا عن العرا ... قِ وعن قطبها النكدْ

حبذا العيش في دمش ... ق إذا ليلها برد!

حيث يُستقَبل الزما ... ن ويستحسن البلد

سفرةٌ جدَّدتْ لنا ال ... لهوَ أيامه الجدد

عزم الله للخلي ... فةِ فيه على الرشَدْ

ويقول في موضع أخر وهو يحاول تحسين الشام في عين المتوكل، وحضه على موالاة المقام بدمشق:

أما دمشق فقد أبدت محاسنها ... وقد وفي لك مطريها بما وعدا

- ولعله يقصد نفسه بهذا المطري الوافي بما وعد -

إذا أردت ملأت العين من بلد ... مستحسن، وزمان يشبه البلدا

يمسى السحاب على أجبالها فرقاً ... ويصبح النبت في صحرائها بددا

فلست تبصر إلا واكفاً خضلا ... أو يانعاً خضراً أو طائراً غردا

كأنما القيظ ولىَّ بعد جيئته ... أو الربيع دنا من بعدما بعدا

<<  <  ج:
ص:  >  >>