للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولم يكن الطفل مذنباً ولكنه لم يكن هناك مكان يؤويه غير هذا المكان، وهكذا كان أمر المقادير. ولقد قبل الطفل هذا الانتقال من السعادة الكاملة إلى الشقاء الكامل بنفس وطنها على المذلة، وهناك عرف الضرب كما عرف الجوع، وسمى لصا فلم يغضب لشيء من ذلك ولم يتمرد، بل بدأ يستشعر الحب لهذا المكان ويخلص بقلبه لأولي الأمر فيه. ونسي سعادته الماضية كل النسيان فلم يعد يتألم من حالته الجديدة حتى ولا في معرض الذكرى ولعل المقادير رأت في هذا السلوان شيئاً من السعادة فأنكرته عليه. وذلك أن النار شبت في الإصلاحية ذات ليلة من ليال الشتاء فاحترقت المديرة وأبناؤها الثلاثة ونجا (إيجور) بعد أن تعرض للموت. وكان حاضراً في وقت إطفاء الحريق رجل من رعاة الغنم فأصر على يأخذه معه لأن البناء أصبح غير صالح للسكنى

وقال إيجور لراعي الغنم وهو ذاهب معه: (لعلهم يجددون بناء (الإصلاحية؟) وكان يقول ذلك وهو يبكي فأجابه الراعي لا تخف فان بناءها سيعاد)

وأخذه إلى مدينة (سمارا) ولم يلحظ الدافع الذي حدا بالطفل إلى إلقاء هذا السؤال. ولقد كان الدافع في الحقيقة هو عزمه على العودة بعد تجديد البناء. وهذا عمل لم يعمله إنسان من قبل، بل المعهود أن كثيرين قد فروا من الإصلاحية ولم يتطوع أحد بالذهاب إليها. ولكن هذا العزم يدل على مزاجه الخاص الذي ساعده على احتمال ما أصابه من الحوادث. ولقد كان الطفل بغريزته عدواً للتمرد فأنكر على نفسه الفرار من الراعي ليذهب إلى سجن الأطفال، ولكنه راجع نفسه في ذلك بأن ذهابه إلى السجن كان بدافع آخر هو الاستسلام للقدر الذي قضى عليه بأن يعيش في السجن

وفر الطفل من سمارا ثلاث مرات عاد فيها إلى سيبريا. ولكنه ضبط مرتين وضرب ضربا مبرحا، ونجا في المرة الثالثة، ولكنه ضل الطريق في مجاهل سيبريا. وعلى الرغم من ذلك فان الأخطار والمتاعب لم تضل عنه فقد كان الدب يطارده في الغابة، وقطاع الطرق يهاجمونه في الطريق، والأشرار يعتدون عليه في المدن. وكان إيجور يجوع أحيانا ليشتري (ياقة) ويخشى على ثيابه أن تتمزق ولهذا كان يفر من طريق الأشرار. وكان شريفاً على الرغم من إقدامه على سرقة الثياب مادام في حاجة إليها ولا يملك ثمنها، ولم يكن يعد هذا ذنباً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>