للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما اعتاد هذه الحالة انطفأت نار شوقه إلى الإصلاحية وظل ينتقل من مدينة إلى مدينة حتى إذا بلغ السابعة عشرة وجدناه في تفليس عاملا في مصلحة التلغراف وكان مغتبطاً بهذه الوظيفة التي أهله لها حسن ملبسه وظل نظيف الثياب في الأعوام الثلاثة التي كان فيها مثالا لحسن الخلق والمعاملة. وشعر فيها السعادة التامة الماضية حتى كأنه قد نسيها

ولما بلغ الحادية والعشرين صار من دأبه التغني بأنشودة غرامية فسمعته فتاة ووهبته قلبها. ومن هذا العهد ظهر سوء الحظ مرة أخرى وكأنه كان مختفياً فجأة بشرٍ مرعب، فلقد ماتت هذه الفتاة بالجدري. وعلى الرغم من أن إيجور كان مطمئنا لكل هذه الحوادث فقد بدا أثر الحادث الأخير على وجهه فأفقده رواءه وارتسم عليه الهم والألم. وفي خلال هذا العام التحق بالجندية وكان يكره البحر وأسفاره ولكنه عين في فرقة البحريين في الأسطول واضطر إلى السفر في البلطيق فأصيب بمرض من أمراض البحر، وبدلا من أن يعطف عليه الجنود لمرضه صاروا يضحكون منه. وانقضى عامان كانت السفينة في خلالها راسية على بعض شواطئ أفريقيا، وكان أهل هذه الجهة من السودانيين الذين لا يعرف إيجور شيئا من لغتهم، ولم يكن معه مال ليعيش معهم ولكن هكذا شاء القدر أن يهرب من السفينة ويشرد في تلك المجاهل

ولم يزل يمشي حتى وصل بعد ثمانية عشر شهراً إلى القاهرة فتجددت له السعادة، لأن القاهرة خير مكان يستطيع أن يعيش هادئاً فيه. وتزوج واشتغل صانعاً في أحد المعامل، ولما كان قنوعا فقد اقتصد جزءاً من المال وعزم في النهاية على فتح حانوت لصنع الأحذية ولكن قبل أن ينفذ هذا العزم اعتقل صاحب المصنع وصودرت أمواله بسبب إفلاسه. وكان إيجور قد حفظ أمواله عنده فصودرت أيضاً.

في ذلك اليوم هرب إيجور من القاهرة ولم يزل ينتقل من بلد إلى بلد ومن صناعة إلى أخرى كاليهودي التائه، وركب البحر ثلاث مرات فغرقت السفن ونجا. وعلى الرغم من ذلك فقد ظل مطمئنا كأن الذي أصابه ليس إلا حوادث عادية يتعرض لمثلها كل إنسان.

وأخيراً وصل إلى نابولي فأخذ يبيع بها السلع متجولا. ومن هناك سافر إلى سويسرا وكانت لغته قد أصبحت مزيجاً من الروسية والعربية والإيطالية. وألف هذا النوع من الحياة وأمهله القدر فصار لا يتعرض لأخطار جديدة وايسر وبدا اليسار عليه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>