للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكنه لم يكن قد تعود هذه الحالة فتاقت نفسه إلى المخاطر ليتعرض لصدمات الأقدار، فبدا في نفسه نزوع وحنين إلى ماضيه المستهدف، وان شئت فقل إنه أصبح في حالة عقلية قلقة بسبب الراحة التي لم يعتدها. وبالرغم من مقاومته نفسه فقد عجز عن كبح عزمه على العودة إلى مجاهل أفريقيا حيث تلفحه الشمس المحرقة ويتعرض لأذى الزنوج والحيوانات المفترسة

وسافر من مرسيليا على ظهر سفينة إلى الجزائر فغرقت السفينة على مسافة قليلة من الشاطئ الفرنسي فأعيد إلى باريس. ولكن ما الذي يفعله الباريسيون بمخلوق تعس كهذا. . .؟

وضعوه في معرض وكتبوا على قفصه (مخلوق تعس) وصار الأغنياء والأطباء والمفكرون يذهبون ليسمعوا منه قصته ويروا شكل جمجمته الصغيرة وعينيه الضيقتين ليصلوا إلى تعليل لتعاسته. ولكن كان ذاك على غير طائل

واستفاد إيجور من هذا العرض مالا كثيراً فعزم على استئناف العمل وعاد يعمل ويقتات. ولكن القدر أبى عليه أن يستريح فتشبثت بذهنه فكرة لم يستطع إلا تحقيقها وهي أن يعود إلى سيبريا فيبحث عن أمه المجهولة، فعاد، ولما وصل إلى روسيا كانت الثورة قد نشبت فجردته من أمواله عصابات اللصوص والته في خندق. وأبى عليه حظه أن يموت فيستريح ومن أجل ذلك نجا بأعجوبة واستأنف تجواله، ولما وصل إلى القوزاق اشتغل كاتباً وكادت الراحة تعرف طريقها إليه ولكن التفكير في أمه لم يتركه. ولذلك سافر إلى سيبريا

ولما وصل إلى البلدة التي ولد فيها كان قد بلغ الثلاثين من العمر، وفي يوم وصوله وكان جواز السفر الذي ابتاعه من موسكو قد باعه إياه رجل اتضح أنه مجرم سياسي محكوم عليه بالإعدام - في يوم وصوله وقع هذا الجواز في يد الحكومة فأعدمت (إيجور) بغير تحقيق. . . اعتقاداً منها بأنه ذلك المجرم السياسي

وهكذا شنق إيجور فلم يبكه صديق أو قريب ولم يذكره ذاكر، وهل يذكر الناس من ضحايا الأقدار غير الأبطال والملوك؟

عبد اللطيف النشار

<<  <  ج:
ص:  >  >>