يأخذ ماكولي في الدفاع عن رأيه هذا فيجره الدفاع أولا إلى العلاقة بين العلم والمدنية. ما حال الشعر في عصور التقدم؟ وكيف كان حاله في العصور السابقة؟ وهل لتقدم المدنية تأثير مطرد فيه؟
يقرر ماكولي أنه كلما تقدمت الحضارة، انحط الشعر تبعاً لذلك التقدم، ولهذا فانه إذا أعجب بتلك الآثار الشعرية التي جادت بها الأخيلة في العصور المظلمة، فليس إعجابه بها قائماً على أنها وليدة تلك العصور، كلا. فانه يعتقد أن البرهان القاطع على العبقرية إنما هو قصيدة عظيمة تظهر في عصر من عصور المدنية والتقدم، في عصر من عصور الفلسفة والتفكير.
وان الذين ينكرون هذا المبدأ ليخدعون أنفهسم في رأيه، ذلك أنهم ينظرون إلى الفنون نظرتهم إلى العلوم التجريبية والعقلية، فيقيسون الجميع بمقياس واحد متخذين تقدم العلم والفلسفة دليلا على تقدم الشعر والتصوير مثلا، وفات هؤلاء أن الفرق شاسع بين الفن والعلم، بين الخيال والتفكير، بين الحلم والحقيقة،
نسى هؤلاء أن العلوم تتقدم بتقدم العصور لأن أهل كل عصر يبتدئون دراستهم في النقطة التي وقف عندها أسلافهم، ومن ثم كان التقدم العلمي تدريجياً، وكلما تقدمت العصور، كان من أيسر الأمور على من رزق حظاً من الذكاء تحصيل العلم، فان أي شخص عادي الآن ليستطيع أن يحصل من قوانين الرياضة في بضع سنين أضعاف ما استطاع نيوتن العظيم تحصيله في نصف قرن قضاه في الكد والتأمل.
ولكن الأمر على خلاف ذلك في الفنون كالموسيقى أو التصوير أو النحت، وعلى الأخص في الشعر، فان تقدم الإنسان في الاختراع، قد يساعد على تحسين الأدوات التي يستعملها كل من الموسيقار والنحات والمصور، ولكن اللغة وهي أداة الشاعر تكون أكثر ملاءمة لفنه وهي في حالتها الفطرية الساذجة.
هذه الآراء التي يعرضها ماكولي في تحديه العلاقة بين الشعر والمدنية، تسوقه إلى نقطة أخرى قريبة من هذه، أعني بها العلاقة بين الشعر والفلسفة، فالفلسفة من عمل العقل والتحليل والتمحيص والموازنة والاستقراء والاستنباط، وتلك كلها أشياء تتقدم بتقدم العصور، إذافما موقف الشعر من الفلسفة؟ يتساءل ماكولي هل هما شيء واحد، وبعبارة