أخرى هل يمكن أن يكون الشاعر فيلسوفاً والفيلسوف شاعراً؟ هي كما ترى نقطة ثار فيها الجدل بين كثير من الأدباء في الشرق والغرب، فبعضهم لا يجد غضاضة في الجمع بين الشعر والفلسفة في شخص واحد، بل وفي موضوع واحد تناوله النظم، ومن أجل ذلك تراهم يطلقون لقب الشاعر الفيلسوف على بعض الأشخاص.
ولكن ماكولي يرى أن الشعر والفلسفة شيئان، بل نقيضان، والجهل بهذه الحقيقة في زعمه جهل بمعنى الشعر وجهل بأغراضه
فهو لا يعني بالشعر كل كلام منظوم، لا ولا كل جيد من النظم، بل انه إذاأراد الشعر بمعناه الحقيقي، ليستبعد كثيراً من الكلام المنظوم، الذي ربما نال حظاً من الإعجاب في مجال آخر، وإنما يقصد ماكولي بالشعر، تلك القدرة على الوصول بواسطة الكلمات إلى ما يصل إليه المصور بواسطة الألوان، ثم ذلك الجو أو ذلك السحر الذي ينتزع الإنسان مما يحيط به ويطير به على أجنحة الخيال إلى وديان فسيحة مليئة بالرؤى والأطياف، ثم ذلك التأثير القوي، وتلك الحرارة أو ذلك الحماس المشبوب، الذي يجعل المرء طوع قلبه، وان هو خالف في ذلك منطقه وقواعد فكره.
ذلك هو الشعر في جوهره وطبيعته، وعلى ذلك فان كثيراً من النثر الذي تتحقق فيه هذه الصفات ليعد من روائع الشعر، فإذا - ما أردنا الشعر في الاصطلاح التزمنا النظم، وبواسطة الوزن والقافية والمهارة في التوقيع، نستطيع أن نجمع بين الشاعر والموسيقار، كما جمعنا بين الشاعر والمصور.
وشتان بين هذا وبين الفلسفة. نعم شتان بين عمل العقل في التفكير والتحليل، وبين اختلاج النفس بالأحاسيس وامتلاء المخيلة بالصور، وجيشان القلب بالعاطفة، وامتلاء المحاجر بالدموع، أو إشراق الوجوه بالفرح، واهتزاز الهيكل كله بالموسيقى.
وإذا كان الأمر كذلك فما أعجب الخلط بين الشاعر والفيلسوف في موضوع لا يمكن إلا أن يكون واحداً من اثنين: فإما إلى العقل وإما إلى القلب!!
يستخلص ماكولي من ذلك أن الرجل إذامال إلى التفكير والتحليل كان أقرب إلى الفلسفة منه إلى الشعر، وإذاأسلس العنان لخياله وأحلامه، كان إلى الشعر أقرب منه إلى الفلسفة، وقل في الأمم مثلما تقول في الإنفراد.