(وأما قلعتها فيها يضرب المثل في الحسن والحصانة. لأن مدينة حلب في وطاء من الأرض. وفي وسط ذلك الوطاء جبل عال مدور صحيح التدوير مهندَم بتراب صح به تدويره. والقلعة مبنية في رأسه ولها خندق عظيم وصل بحفره إلى الماء، وفي وسط هذه القلعة مصانع تصل إلى الماء المعين، وفيها جامع وميدان وبساتين ودور كثيرة)
وقد أخبرت أن آثاراً لسيف الدولة عثر عليها في القلعة أخيراً، إلى ما رأينا فيها من آثار الأيوبيين والمماليك وغيرهم.
وكانت جولتنا في الأسواق قصيرة ممتعة جامعة. سرّنا ما رأينا من عظم الأسواق والخانات، وأعجبتنا بدائع الصناعات الحلبية. وحلب منذ العصور القديمة معروفة بتجارتها وصناعتها ولأهلها بصر بالتجارة وعناية بها، وأسفار في سبيلها.
وقد حدثني أحد تجار حلب بهذه الفكاهة:
قال رجل لآخر: لا يخلو قطر في الأرض من حلبي. فما رآه الرجل في هذا وقال: إني ذاهب إلى الهند وما أحسبني أجد فيها حلبياً، وسأنظر. فلما جال الرجل في أرجاء الهند وجد قبرا كتب عليه:(هذا قبر فلان الحلبي الأعرج)
وقال ياقوت:
(وما زال فيها على قديم الزمان وحديثه أدباء وشعراء ولأهلها عناية بإصلاح أنفسهم وتثمير أموالهم، فقل أن ترى من نشئها من لم يتقبل أخلاق آبائه في مثل ذلك. فلذلك فيها بيوتات قديمة معروفة بالثروة، يتوارثونها ويحافظون على حفظ قديمهم بخلاف سائر البلدان).
وأنا أرجو أن يدوم أهل حلب على هذه السيرة الطيبة النافعة إن شاء الله.