تدوّي بشعره منذ أنشده فيها.
طاب لنا أن نقيس فلسفة الشاعر الحزين اليائس رهن المحبسين بفلسفة الشاعر الساخط المتكبر الآمل الرّحال الجوال، صفحتان في الأدب خالدتان، وسيرتان في الحياة مختلفتان، وهما في الحق متقاربتان، على عكس ما قال أبو الطيب:
وقد يتقارب الوصفان جدا ... وموصوفاهما متباعدان
وأقبلت حلب بِذكَرها، وأشرفنا عليها في حشد من التاريخ نكاد نسمع البحتري والمتنبي والصنوبري، ونبصر ازدحام الوفود على أبواب سيف الدولة، والجيوش ذاهبة لحرب الروم وآبية والخطوب في مدها وجزرها، والزمان في نعيمه وبؤسه.
ودخلنا المدينة وكاد الليل ينتصف، والقمر يجلو محاسنها، ويجمل ذكرياتها وعلى ألسنتنا قول الصنوبري،
حلب بدر دجى ... أنجمها الزهر قراها
أي حسن ما حوته ... حلب أو ما حواها
حلب أكرم مأوى ... وكريمٌ من آواها
بسط الغيث عليها ... بُسط نَور ما طواها
وكساها حُللا ... أبدع فيها إذ كساها
ولم ننس أبيات كشاجم، وكيف ينسى زائر حلب هذا الشاعر المبدع.
أرتك يدا الغيث آثارها ... وأخرجت الأرض أزهارها
وما أمتعت جارها بلدة ... كما أمتعت حلب جارها
هي الخلدُ يجمع ما يُشتهى ... فزُرها فطوبى لمن زارها
وأوينا إلى فندق بارون حيث لقينا وجوها معروفة تبالغ في الحفاوة بنا، من حكام حلب وعلمائها وأدبائها، وبينهم شباب نجباء كانوا تلاميذ لنا في جامعة القاهرة.
وأصبحنا نجول في أرجاء المدينة نشهد آثارها وما شاده العمران الحديث فيها، ونمشي في أسواقها المعمورة التي عرفتها العصور القديمة والحديثة. رأيت القلعة العجيبة وكنت دخلتها مرات من قبل وذكرتها في رحلاتي فلا أعود إلى وصفها ولكن أكتفي بكلمة لياقوت لم أنقلها في الرحلات: