ويستشهد (المعتزلة) ومن يذهب مذهبهم على صحة دعواهم بآيات من القرآن الكريم وبأحاديث من أقوال الرسول. وقد ورد على لسان الصحابة ما يدل على أن بعض أصحاب رسول الله كانوا يذهبون هذا المذهب. خذ ما جاء في كتاب (نهج البلاغة) لما سئل الإمام علي بن أبي طالب (أكان مسيرنا إلى الشام بقضاء من الله وقدر)، وقد أجاب الإمام (بكلام طويل هذا مُختاره).
(ويحك لعلك ظننت قضاء لازماً وقدراً حاتماً. ولو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد. إن الله سبحانه أمر العباد تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعص مغلوباً، ولم يطع مُكرهاً، ولم يرسل الأنبياء لعباً، ولم ينزل الكتب للعباد عبثاً، ولا خلق السموات والأرض وما بينهما باطلا (ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار).
وروي عن على كل ما يخالف هذا الكلام، يرويه أصحاب نظرية (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه). وروي عن نافع أن رجلا جاء إلى ابن عمر، فقال: إن فلاناً يقرأ عليك السلام. فقال ابن عمر: أنه بلغني أنه قد أحدث التكذيب بالقدر، فإن كان قد أحدث فلا تقرأ مني عليه السلام).
وذكر ابن العبري أن معاوية بن يزيد الأول كان قدرياً (من المؤمنين بالاستطاعة)، وأن عمراً المقصوص كان قد علمه ذلك فدان به وتحققه، ولم يزل به حتى أفسد رأيه فلم يقبل بالخلافة، فوثب بنو أُمية على عمرو المقصوص وقالوا أنت أفسدته وعلمته، فطمروه ودفنهو حيَّا.
إلى آخر ما هنالك من أخبار تدل على أن (القدرية) أو (قدرة الإنسان على خلق أفعاله) كانت قد انتشرت لدى المسلمين قبل أن ينشأ يوحنا بل وقبل جداله مع المسلمين. وأن هذه الفكرة كانت قد اتخذت شكلا اجتماعياً سياسياً خطيراً. روي (أن رجلا قال لابن عمر: ظهر في زمامنا رجال يزنون ويسرقون ويشربون الخمر ويقتلون النفس التي حرم الله ثم يحتجون علينا ويقولون: كان ذلك في علم الله: فغضب ابن عمر وقال: سبحان الله، كان ذلك في علم الله، ولم يكن علمه يحملهم على المعاصي).