وكان بنو أمية باستثناء نفر منهم يكرهون القدرية ومن كان يقول بها، وقد نكلوا بالقدريين كل التنكيل، ولذلك لم يكن المعتزلة وهم خلفاء القدريين يعطفون على الأمويين.
(وبنو أمية كانوا يكرهون القول بحرية الإرادة، لا ديناً فقط، ولكن سياسياً كذلك، لأن الجبر يخدم سياستهم. فالنتيجة للجبر أن الله الذي يسير الأمور قد فرض على الناس بني أمية كما فرض كل شيء ودولتهم بقضاء الله وقدره. فيجب الخضوع للقضاء والقدر).
كذلك أتى عطاء بن يسار ومعبد الجهني الحسن البصري وقالا: يا أبا سعيد، هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين ويأخذون أموالهم ويقولون إنما تجري على قدر الله تعالى.
فلأحداث السياسية التي حدثت بعد وفاة الرسول، والأوضاع الاجتماعية هي التي أثارت تلك المشكلة التي وردت في القرآن الكريم وفي أحاديث الرسول مع غيرها من المشاكل التي كان الصحابة يحجمون عن الخوض فيها وأعني بها مشكلة المتشابهات.
روى العلماء أنه (في عهد الفاروق رضي الله عنه، أخذ رجل يقال له صبيغ بن عسل يسأل عن المتشابه ويتكلم فيما لا يعنيه مما قد يحدث فتناً بين العامة، فطلبه عمر وقال له: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ، وقال عمر: أنا عبد الله عمر. فأخذ يضربه بعراجين النخل حتى دمي رأسه. فقال صبيغ: حسبك يا أمير المؤمنين، قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي، ثم نفاه إلى البصرة حتى صلح حاله.
وعلى كل فقد حدثت هذه المشكلة، مشكلة القدر والاستطاعة قبل أن يخلق يوحنا بزمن، فلا يصح إذاً أن يقال بأن يوحنا كان هو مثير هذه المشكلة في الإسلام، وأن نظرية (القدر) دخلت عن طريق النصرانية وحدها إلى الإسلام بدليل ظهور هذه المشكلة في الشام، والشام ملتقى النصرانية في الجزيرة العربية، وبظهور هذه المشكلة في العراق على يد نصراني يقال له سوسن، كان نصرانياً فأسلم، وكان أول من نطق في القدر، وعنه أخذ معبد الجهني، وعن معبد هذا أخذ غيلان الدمشقي. فقد رأينا على أن القول بالقدر كان قديماً وعلى أنها لم تقتصر على الشام والعراق، بل ظهرت في الحجاز كذلك بنفس الوقت الذي ظهرت فيه الفتن السياسية، إن لم يكن قبل ذلك. وفي رواية ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأنس بن مالك ما فيه الكفاية والتسليم. ولا عبرة أيضاً بإسناد كتب الفرق هذه الفكرة إلى نصراني معين أو مجهول فقد عودتنا هذه الكتب نسبة الفرق المخالفة إلى اليهودية أو المجوسية أو