ففي السماء بروج ضخمة، وشهب تنقض على المردة. وفي الأرض الممدودة رواسٍ راسخة، ونبت (موزون)(لا (بهيج) لطيف!) وفي الأرض كذلك (معايش) بهذا الجمع والتكثير، وفيها من لا يرزقه الناس بهذا التهويل والتنكير. . . وهذه مشاهد وحدتها الضخامة الحسية والمعنوية.
٣ - وقد تتسع الرقعة ويتطاول المدى وتعرض اللمسات، ولكنها تدق في النهاية حتى تتناول الجزئيات:
مثال ذلك:(إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت. إن الله عليم خبير).
فهذه رقعة فسيحة في الزمان والمكان، وفي الحاضر الواقع، والمستقبل والمنظور، والغيب السحيق، وفي خواطر النفس ووثبات الخيال، ما بين الساعة البعيدة المدى، والغيث البعيد المصدر، وما في الأرحام الخافي بلفظه وحقيقته عن العيان، والرزق في الغد وهو قريب في الزمان مغّيب في المجهول، وموضع الدفن وهو مبعد في الظنون.
إنها رقعة فسيحة الآماد والأرجاء، ولكن اللمسات العريضة بعد أن تتناولها من أقطارها، تدق في أطرافها، وتجمع هذه الأطراف كلها عند نقطة الغيب المجهول، وتقف بها جميعاً أمام كوة صغيرة مغلقة، لو انفتح منها سَمّ الخياط لاستوى القريب خلفها بالبعيد ولا نكشف القاصي منها والدَّان.
ذلك أفق واحد من آفاق التناسق الفني في تصوير القرآن ووراءه آفاق أخرى وآفاق!