فالصورة صورة مبايعة بالأيدي، ولتنسيق الجو كله، جعل (يد الله فوق أيديهم) واستخدم هذا التجسيم في موضع التجريد المطلق، والتنزيه الخالص.
وعلماء البلاغة يسمون مثل هذا:(مراعاة النظير) ويعنون منه الجانب اللفظي، لأنهم لم يحاولوا أن يلحظوا جانب التصوير، ونحن نأخذ تعبيرهم نفسه (مراعاة النظير) ونعني به جانب التناسق الفني في الصورة، للمحافظة على (وحدة الرسم) وعلى جو المشهد وعلى الانسجام العام.
ولكن القرآن لا يستخدم في التصوير هذه (اللمسات الدقيقة) وحدها، إنما يستخدم كذلك (اللمسات العريضة)(ونحن نعبر بلغة التصوير لأننا في الواقع أمام تصوير قبل التعبير) هذه اللمسات العريضة قد تجمع بين السماء والأرض في نظام، وبين مشاهد الطبيعة ومشاهد الحياة في سياق. حيث تتسع رقعة الصورة لهذا كله على أساس من (الوحدة الكبيرة) بدل (الوحدة الصغيرة)
١ - من ذلك:(أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحت؟)
فهذه ريشة تجمع بين السماء والأرض والجبال والجمال، في مشهد واحد، حدوده تلك الآفاق الوسيعة من الحياة والطبيعة، والملحوظ هنا هو (الضخامة) وما تلقيه في الحس من استهوال، والأجزاء موزعة بين الاتجاه الأفقي في السماء المرفوعة والأرض المبسوطة، والاتجاه الرأسي بينهما في الجبال المنصوبة، والإبل الصاعدة السنام. وهذه دقة تأخذها عين المصور الدقيقة في الأشكال والأحجام.
ومما يلاحظ هنا بعين المصور كذلك أن لوحة طبيعية تشمل السماء والأرض والجبال، لا يبرز فيها من الأحياء إلا الجمال، أو ما هو في حجم الجمال! والجمل هو الحيوان المناسب، لأنه أليف الصحراء الفسيحة التي تحدها السماء والجبال!
٢ - ومن هذا النحو - مع تغيير في مواضع اللمسات:
(ولقد جعلنا في السماء بروجاً، وزيناها للناظرين، وحفظناها من كل شيطان رجيم، إلا من اسْتَرَق السَّمَْع فأْتبعهُ شهاب مبين. والأرض مددناها. وألقينا فيها رواسيَ، وأنبتنا فيها من كل شيء موزون، وجعلنا لكم فيها معايش، ومن لستم له برازقين).