(ب)(وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها - من بين فَرثِ ودم - لبناً خالصاً سائغاً للشاربين.
(ومن ثمرات النخيل والأعناب، تتخذون منه سكَراً ورزقاً حسنا. إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون.
(وأوحى ربك إلى النحل: أن أتخذى من الجبال بيوتاً، ومن الشجر، ومما يعرشون، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذُلُلاً يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس. إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون)
يلاحظ في هذين السياقين أن الأنعام مذكورة فيهما على السواء، فلننظر من أي الجوانب عرضت في كل سياق، ولماذا عرض هذا الجانب، وذلك الجانب هناك.
(ا) السياق الأول يرسم صورة أو مشهداً للبيوت، والأكنان والظلال، والسرابيل، وكلها مما يلاذ به، أو يستتر، أو يستظل أو يحتمى. ولأن هذا هو (وحدة الرسم) عرض من (الأنعام) الجانب الذي يتفق مع هذه الوحدة. عرض الجلود التي تتخذ بيوتاً تستخف يوم الظعن، والأصواف والأوبار والأشعار التي تتخذ أردية وأثاثاً.
(ب) والسياق الثاني يرسم صورة أو مشهداً لاستخراج. الأشربة: السكر الذي يستخرج من الثمار، والعسل الذي يخرج من النحل. ولأن هذه هي (وحدة الصورة) عرض من الأنعام الجانب الذي يناسب الأشربة. عرض اللبن السائغ للشاربين.
ولم تقف دقة التنسيق عند وحدة المنظر العامة، بل تمشت إلى دقائق الجزئيات: فهذا السكر يستخلص من الثمرات المخالفة في هيئتها وطبيعتها للعسل، وهذا اللبن يستخرج من بين فرْثٍ ودم المخالفين في هيئتهما وطبيعتهما للبن؛ فهي كلها تستحيل من أشياء أخرى. ثم المنظر كله منظر زراعي حيواني.
ألا أنه الإبداع في دقة التصوير، وفي تناسق الإخراج. ومثل هذه اللمسات الدقيقة التي تستوعب دقائق الجزئيات كثير في القرآن، نكتفي منه بهذه الأمثلة، ونضيف إليها المثال التالي لماله من دلالة خاصة!
٤ - (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم. فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيما).