على قدرة الخالق على البعث، فما هما إلا سكون أو خمود، تعقبه الحركة والحياة، فلو كان المقصود هو مجرد أداء المعنى الذهني، لما كانت هناك ضرورة لهذا التنويع. ولكن التعبير القرآني لا يرمي إلى مجرد أداء المعنى الذهني، إنما يريد الصورة كذلك، والصورة تقتضي هذا التنويع، ليتم التناسق مع الأجزاء الأخرى في اللوحة، أو في المشهد المعروض
ودلالة هذا التنويع حاسمة في أن (التصوير) مقصود قصدا في أسلوب القرآن؛ وأن التعبير لا يقصد إلى أداء المعنى الذهني مجردا، إنما يعمد إلى رسم صور للمعاني، تختلف هذه الاختلافات الدقيقة اللطيفة حسب اختلاف الأجزاء والألوان
ثم لننظر الآن إلى (وحدة الرسم) في كل من الصورتين وفي أجزاء الصورة كذلك.
وحدة الصورة الأولى هي: مخلوقات حية تخرج من الموت أو مشاهد حياة، والأجزاء هي: نطفة تدرج في مراحلها المعروفة ونبتة تصير زوجا بهيجاً. وهي تراب ميت تخرج منه هذه النطفة، وأرض هامدة تخرج منها هذه النبتة والجو العام هو جو الإحياء المرتسم من هذه الأجزاء
ووحدة الصورة الثانية هي: مخلوقات طبيعية عابدة، أو مشاهد طبيعية. والأجزاء هي: الليل والنهار، والشمس والقمر، والأرض خاشعة لله. تموج فيها وتتصل بها جماعتان من الأحياء مختلفتا النوع متحدتا المظهر: جماعة من الناس تستكبر على العبادة، وجماعة من الملائكة تعبد بالليل والنهار. والجو العام هو جو العبادة المرتسم من هذه الأجزاء.
وهكذا تتناسق الجزئيات مع الجو العام، وتتحد جزئيات الصورة الواحدة تحقيقاً لوحدة الرسم وتوزع الأجزاء في الرقعة بهذا النظام العجيب.
٣ - عرض القرآن في مواضع مختلفة كثيراً من صور النعمة التي أفاءها الله على الإنسان، وفي كل موضع كان يعرض مجموعة من النعم، متسقة (الوحدة) على هذا النحو الذي نعرضه في موضعين للتمثيل:
(ا)(والله جعل لكم من بيوتكم سكناً، وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم، ومن أصوافها وأوبارها أثاث ومتاعا إلى حين).
(والله جعل لكم مما خلق ظلالا، وجعل لكم من الجبال أكناناً، وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرَّ وسرابيل تقيكم بأسكم. كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون)