ومرة بأنها (خاشعة) وقد يفهم البعض أن هذا مجرد تنويع في التعبير. فالنظر كيف وردت هاتان الصورتان:
لقد وردتا في سياقين مختلفين على هذا النحو:
(١) وردت (هامدة) في هذا السياق (يأيها الناس: إن كنتم في ريب من البعث، فأنا خلقناكم من تراب، ثم من نطفة، فم من علقة، ثم من مُضْغة مُخلّقة وغير مخلقة؛ لنبيَّين لكم، ونُقِرُّ في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى، ثم نخرجكم طفلا، ثم لتبلغوا أشدكم، ومنكم من يتوفى، ومنكم من يُرَدُّ إلى أرذل العُمر، لكي لا يعلمَ مِنْ بعد علمِ شيئاً، وترى الأرض هامدةً فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج).
(ب) ووردت (خاشعة) في هذا السياق: (ومن آياته الليلُ والنهار والشمس والقمر، لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن، إن كنتم إياه تعبدون، فان استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون. ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت)
وعند التأمل السريع في هذين السياقين، يتبين وجه التناسق في (هامدة) و (خاشعة). إن الجو في السياق الأول جو بعث وإحياء وإخراج؛ فما يتسق معه تصوير الأرض بأنها (هامدة) ثم تهتز وتربو، وتنبت من كل زوج بهيج.
وإن الجو في السياق الثاني هو جو عبادة وخشوع وسجود، فما يتسق معه تصوير الأرض بأنها (خاشعة) فإذا أنزل عليها الماء اهتزت وربت.
ثم لا يزيد على الاهتزاز والإرباء هنا، الإنبات والإخراج كما زاد هناك، لأنه لا محل لهما في جو العبادة والسجود. ولم تجيء (اهتزت وربت) هنا للغرض الذي جاءتا من أجله هناك. إنهما هنا تخَّيلان حركة للأرض بعد خشوعها، وهذه الحركة هي المقصودة هنا، لأن كل ما في المشهد يتحرك حركة العبادة، فلن يكن من المناسب أن تبقى الأرض وحدها خاشعة ساكنة. فاهتزت لتشارك العابدين المتحركين في المشهد حركتهم، ولكي لا يبقى جزء من أجزاء المشهد ساكنا وكل الأجزاء تتحرك من حوله. وهذا لون من الدقة في تناسق الحركة المتخيلة، يسمو على كل تقدير.
ويحسن أن نلاحظ أن الهمود والخشوع يتحدان في المعنى العام، ويستدل بهما في الآيتين