الفن والصنعة طوائف العلوم الأخرى، فكلها نثر فيه فن وفيه صنعة بحسبه، فماذا بقي بعد ذلك حتى يكون فهمنا للأدب على أنه الشعر أو النثر المشبه للشعر أو القصة البديعة أو نحو ذلك فهماً قاصراً؟
لم يبق يا سيدي ألبك إلا الكلام الذي أتضع ولم تتحقق فيه شروط الفصاحة والبلاغة، فصار بحكم ما فقد من شروط الأدب غير أدب، وصار الكاتب له غير أديب.
فهل تريد أن يدخل مثل هذا على أنه أمثلة تحتذي في مباحث الأدب؟ فماذا يكون الأدب إذن؟
إن الأدب فن رفيع كالموسيقى وما يشبهها؛ فلنتصور أننا توسعنا في متناول الموسيقى حتى جعلناها تشمل كل ما يمكن أن يكون صوتاً، فهل يكون ذلك مقبولا؟
كذلك الأدب لا يمكن أن يكون أدباً إذا توسعنا فيه فجعلناه يشمل كل ما يمكن أن يقال أو يكتب، فإن ذلك تضييع لقيمة المثل العليا من الكلام، وتضييع للمبرزين من الكتاب من القدماء والمحدثين، مع ملاحظة أنه لا يعقل أن يكون كلام مكتوب لا موضوع له إلا ما يصدر من المجانين؛ فأولئك الكتاب الذين يجلسون بجانب كل محكمة، ويسمون بالكتاب العموميين، لهم موضوعاتهم التي يتناولونها فيما يكتبون، وليس من المعقول أن تكون رسائلهم من مباحث الأدب. ولست أعلم أن أحداً من المتقدمين منع أن يكون الشعر الصوفي والنثر الصوفي، والكتب التي تشرح النظريات الاجتماعية والاقتصادية والتي تتناول التاريخ والرحلات والقصص من نوع ألف ليلة وليلة والفلسفة - منع أن تكون هذه مما يتضمنه معنى الأدب حتى ينبهنا الأستاذ الكبير إلى أن نعيد النظر في هذا الوضع من ناحية الأدب القديم فندخل فيه هذه الموضوعات.
ويقول الأستاذ إن هذه الفكرة عن الأدب أنه مقصور على الشعر والنثر الفني المصنوع ضارة بالناشئين والمتعلمين، ويقصد من غير شك الناشئين والمتعلمين في هذا العصر، فهو يخشى عليهم أن يتجهوا في أدبهم إلى السطحية والعناية فيه بالشكل أكثر من عنايتهم بالموضوع، ثم يحمد الله أن يرى أدباءنا يتجهون اتجاهاً واضحاً إلى الموضوع أكثر من الشكل.
فهل كان أدباؤنا من غير الناشئين المتعلمين في هذا العصر؟ فمن الذي أرشدهم ألا يتجهوا