يتدلى على الهيكل العظمي في ضعف واسترخاء، والأضالع تبرز من تحت الصفاق أو الرِّق الذي يغطيها، ويبدو الجسم كله كأنه يرتعد أو ينكمش ويتضاءل. ومع ذلك نرى ألماً عميقاً ينبعث من ذلك الجسد البالي المشوَه المؤلم، وذلك لأن ما نشاهد منه هو الألم البالغ لنفس شغفها حب الشباب والجمال الخالد فأصبحت تنظر بيأس إلى الوعاء القبيح الدميم الذي يحويها. إنه التناقض البين بين الكائن الروحي الذي يتطلب اللذة الخالدة وبين الجسد الذي يبلى وينحل ويؤول إلى الفناء. تهلك المادة ويموت اللحم، أما الأحلام والآمال فخالدة. وهذا ما أراد رودان أن نفهمه. هذا وإني لا أعتقد أن فناناً آخر صور لنا الهرِمَ بمثل هذه الفظاعة الفجة، اللهم إلا واحداً. فانك لترى على مذبح كنيسة بفلورنسا تمثالا عجيبا من صنع دونا تللو. ترى عجوزا عارية أو هي متشحة بشعرها الطويل الرفيع الذي يتشبث بجسدها المتهدم الفاني. إنها القديسة مجدولين في الصحراء وقد قوست السنون ظهرها، تنذر إلى الله الرهبوت الصارم الذي ستأخذ به جسدها جزاء وفاقا لما أسبغته عليه من رعاية في الماضي. ولقد بلغت الصراحة الفطرية بهذا الفنان الفلورنتي مبلغا عظيما بحيث لا يتسنى لأحد أن يدانيه فيها، حتى ولا رودان نفسه. ولكنا نرى إلى جانب ذلك أن الشعور في العملين مختلف كل الاختلاف، فبينا نرى القديسة مجدولين تبدو في توبتها أكثر إشراقا كلما أحست أنها تزداد دمامة، نرى من الناحية الأخرى الحظية الشمطاء تهلع عندما ترى نفسها أشبه شيء بالجثة الهامدة. وعلى ذلك فالنحت الحديث أعظم وقعاً وأفجع في تأثيره من النحت القديم.
وفي أحد الأيام درست تمثال رودان هذا لحظة ثم قلت له في هدوء:(أيها المعلم! لا أظن أحداً يعجب بهذا التمثال المدهش إعجابي به. ولكن أرجو ألا يتملكك الامتعاض إذا ما أطلعتك على الأثر الذي تُحدثه مشاهدته في زائري متحف اللوكسمبورج، وفي السيدات خاصة).
(أكون شاكراً لو تفعل ذلك).
(حسن. إن النظارة لتفر منه قائلة: آه، ما أبشعه! وكثيراً ما شاهدت بعض السيدات يتقينه بأيديهن حتى لا يرونه) فضحك رودان ملء شدقيه وقال:
(لابد أن يكون عملي من الوضوح والصراحة بحيث يحدث مثل هذا الأثر البين. ولا ريب