كان هوائياً متقلباً ومتصنعاً، كل ما أبتسم من غير باعث على الابتسام، أو تثنى من غير ما سبب، كل ما كان بغير روح أو حقيقة. أو كل ما كان مظهراً للحسن والجمال فقط، وبالجملة هو كل ما كان كاذباً.
وعندما يحاول الفنان أن يحسن الطبيعة فيضيف اللون الأخضر إلى الربيع، والوردي إلى الشمس، والقرمزي إلى الشفاه الصغيرة، يخلق بعمله هذا القبح لأنه يكذب، وكذلك عندما يخفف من حدة الألم أو يلطف من تهدم الشيخوخة أو من بشاعة التحريف أو التصحيف، وعندما يحاول تنسيق الطبيعة فيقنعها وينكرها ويلطفها كيما تسر السوقة الجهلة، فهو يخلق القبح لأنه يخشى الحق.
كل ما في الطبيعة جميل في عيني أي فنان خليق بهذا الاسم، لأن عينيه اللتين تقبلان الحقائق الخارجية في شجاعة، تقرآن الحقائق الداخلية كما لو كانتا تقرآن في كتاب مفتوح. وما عليه إلا أن ينظر في وجه إنسان ما فيقرأ أغوار نفسه بحيث لا يمكن أن تخدعه قسمة من قسماته. والإخلاص كالتصنع كلاهما شفاف لا يستر ما تحته، فخط في الجبين، أو رفعة خفيفة من الحاجب، أو لمحة من العين، كل هذه تكشف له عن كل أسرار القلوب وتطلعه على خفاياها كذلك يستطيع الفنان أن يدرس ذهنية الحيوان الخبيثة، ويقرأ في عينيه وحركاته وسكناته مزيجاً من الشعور والأفكار والذكاء الأبكم والأحاسيس البدائية.
وهو فضلا عن ذلك صفى الطبيعة وأمينها؛ فتكلمه الأشجار والنباتات كما لو كان صديقها، وتحدثه أشجار البلوط القديمة العقداء عن حدبها على الإنسان الذي تظله تحت أفرعها الوارفة الظلال. وتخاطبه الأزهار باهتزاز سوقها الرشيقة، وبغناء ألوانها الشجي. إن كل زهرة وسط الخضرة لكلمة طيبة تخاطبه الطبيعة بها. والحياة عنده متاع مقيم، وسرور مستديم، ونشوة جنونية. ولكنه لا يرى كل شيء في الحياة مستطابا لأن الآلام التي تنتابه وتعتور أصدقاءه تتعارض مع تفاؤله وأمانيه تعارضاً مؤلماً، ومع ذلك فكل شيء عنده جميل لأنه يمشي دائماً في ضوء الحق النفساني.
نعم! إن الفنان العظيم، وأقصد به الشاعر والمصور والمثال ليجد، حتى في الآلام وموت الأحباب، وفي خيانة الأصدقاء بعض ما يغمره بفيض عجيب من السرور ولو شابته مرارة بشعة. وقد تمر به فترات يكون قلبه أثناءها فريسة للآلام ومع ذلك نرى اللذة المريرة التي