ثم ليصف لنا بودلير جثة مقرَّحة، قذرة متلزجة ينخر فيها الدود، ثم دعه يتخيل خليلته المحبوبة في هذه الحالة المخيفة الممضة؛ فلا يمكن والله أن يداني شيء في الروعة والفخامة صورته التي يضع فيها جنباً إلى جنب هذا الجمال الذي نرجو له الخلود، وذاك الفناء المروع الذي ينتظره. وهاك أشعار بودلير
(ومع لذلك فستصبحين مثل هذا يوماً ما، مثل هذه الوخامة التي تتقزز منها النفس، أنت يا نجم عيني، أنت يا شمس طبيعتي. آه يا ملاكي ويا غرامي!
(نعم يا ملكة الحسن، ستكونين هكذا بعد القداس، عندما تلحدين تحت الحشائش والأزهار حيث تبلين بين العظام. وعندئذ يا حبيبتي خبري الديدان التي تلتهمك بالقبل أنني - على الرغم منها ومن كل شيء - قد احتفظت بهيكل حي المقدس وروحه الذي فني وباد).
ومثل هذا ما كان من شكسبير عند ما وصف أو رتشارد الثالث. وعندما صور نيرو ونرجس كذلك يمكن أن ينقلب القبيح الخلقي موضوعا رائع الجمال إذا ما فسرته عقول صافية راجحة نفاذة.
وفي الواقع نرى أن الجميل في الفن هو ماله شخصية. فالشخصية هي العنصر الضروري لكل شيء طبيعي، جميلا كان أو قبيحًا، أو هي الحقيقة المزدوجة كما يجب أن نسميها. هي الحقيقة الداخلية تفصح عنها الحقيقة الخارجية، هي الروح والشعور والأفكار تعبر عنها قسمات وجه أو أفعال الإنسان وإشاراته أو ألوان السماء أو خطوط الأفق. . .
يرى الفنان العظيم أن لكل شيء في الطبيعة شخصية لأن نظرته الفاحصة الصائبة تستجلي ما غَمضَ وخفي من معاني الأشياء جميعها. ولربما كان لما نحسبه بشعا دميما من الشخصية أكثر من ذلك الذي نراه بسيما وسيما. وذلك لأن الحقيقة الداخلية قد تسطع في أسارير سحنة مريضة، أو في نواحي وجه خبيث، أو في كل ما هو مشوه أو عفن، سطوعا جلياً أكثر مما في القسمات الصحيحة العادية.
وطالما كانت قوة الشخصية وحدها هي التي تظهر الجمال في الفن، فكثيراً ما يحدث أنه كلما قبح الشيء في الطبيعة زاد جماله في الفن. فلا يوجد في الفن قبيح اللهم إلا ما خلا من الشخصية، أي ذلك الذي تجدد من الحقيقة الداخلية أو الخارجية.
والقبيح في الفن هو كل زائف غير طبيعي، كل ما عني بحسن المظهر دون التعبير، كل ما