للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فأنشئوا مركباً حمّالاً، وأدخلوا فيه من الماء والزاد ما يكفيهم لأشهر. ثم دخلوا البحر في أول طاروس (كذا) الريح الشرقية. فجروا بها نحو من ١٢ يوماً، فوصلوا إلى بحر غليظ الموج، كدر الروائح، كثير القروش، قليل الضوء، فأيقنوا بالتلف. ثم فردوا قلاعهم في اليد الأخرى، وجروا في البحر في ناحية الجنوب ١٢ يوماً، فخرجوا إلى جزيرة الغنم، وفيها من الغنم ما لا يأخذه عد ولا تحصيل، وهي سارحة لا راعي لها، ولا ناظر إليها. فقصدوا الجزيرة، فنزلوا بها، فوجدوا عين ماء جارية وعليها شجرة تين بري. فأخذوا من تلك الغنم فذبحوها، فوجدوا لحومها مرة لا يقدر أحد على أكلها. فأخذوا من جلودها وساروا مع الجنوب ١٢ يوماً إلى أن لاحت لهم جزيرة فنظروا فيها إلى عمارة وحرث. فقصدوا إليها ليروا ما فيها. فما كان غير بعيد حتى أحيط بهم في زوارق هناك. فأخذوا وحملوا في مركبهم إلى مدينة على ضفة البحر، فأنزلوا بها في دار. فرأوا رجالا شقراً زعراً شعور رؤوسهم سبطة، وهم طوال القدود، ولنسائهم جمال عجيب.

فاعتقلوا فيها في بيت ثلاثة أيام، ثم دخل عليهم في اليوم الرابع رجل يتكلم باللسان العربي، فسألهم عن حالهم وفيما جاءوا، وأين بلدهم، فأخبروه بكل خبرهم. فوعدهم خيراً، وأعلمهم أنه ترجمان الملك.

فلما كان في اليوم الثاني من ذلك اليوم أحضروا بين يدي الملك. فسألهم عما سألهم الترجمان عنه، فأخبروه بما أخبروا به الترجمان بالأمس من أنهم اقتحموا البحر ليروا ما به من الأخبار والعجائب، ويقفوا على نهايته. فلما علم الملك ذلك ضحك، وقال للترجمان: خبر القوم أن أبي أمر قوماً من عبيده بركوب هذا البحر، وأنهم جروا في عرضه شهراً إلى أن انقطع عنهم الضوء، وانصرفوا في غير حاجة ولا فائدة تجدي.

ثم أمر الملك الترجمان أن يعدهم خيراً، وأن يحسن ظنهم بالملك ففعل. ثم صرفوا إلى موضع حبسهم إلى أن بدأ جري الريح الغربية، فعمر بهم زورق، وعصبت أعينهم، وجرى بهم في البحر برهة من الدهر؛ قال القوم: قدرنا أنه جرى بنا ثلاثة أيام بلياليها، حتى جيء بنا إلى البر فأخرجنا، وكتفنا إلى خلف، وتركنا بالساحل إلى أن تضاحى النهار وطلعت الشمس، ونحن في ضنك وسوء حال من شد الأكتاف؛ حتى سمعنا ضوضاء وأصوات ناس فصحنا بأجمعنا، فأقبل القوم إلينا فوجدونا بتلك الحال السيئة، فحلونا من وثاقنا، وسألونا،

<<  <  ج:
ص:  >  >>