للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الملك الناصر بن قلاوون. قال (قال ابن أمير حاجب والي مصر، عن الملك موسى ابن أبي بكر: سألته عن سبب انتقال الملك إليه فقال: إن الذي قبلي كان يظن أن البحر المحيط له غاية تدرك. فجهز مائتين من السفن، وشحنها بالرجال والأزواد التي تكفيهم سنين، وأمر من فيها ألا يرجعوا حتى يبلغوا نهايته، أو تنفذ أزوادهم. فغابوا مدة طويلة، ثم عاد منها سفينة واحدة، وحضر مقدمها، فسأله عن أمرهم فقال: سارت السفن زمنا طويلا حتى عرض لها في البحر في وسط اللجة واد له جرية عظيمة، فابتلع تلك المراكب وكنت آخر القوم، فرجعت بسفينتي. فلم يصدقه. . فجهز ألفي سفينة، ألفاً للأولاد، وألفاً للأزواد. واستخلفني، وسار بنفسه ليعلم حقيقة ذلك. وكان هذا آخر العهد به وبمن معه). فهل وصل هذا الملك المغامر بقافلته العريضة المزودة إلى بر السلامة أم ابتلعته ومن معه لجج المحيط؟ لا نحسب أن إقدام هذا الملك الجسور على اقتحام البحر كان من قبيل الظن بان للمحيط غاية تدرك، فلربما كان لديه من الأبناء والوقائع ما دعاه أن يكذب مقدم السفينة العائدة، ويركب أهوال البحر بألفي سفينة ليصل إلى غايته.

ومما يغلب على الظن أن كلمبس وقف على خبر الاخوة المغرورين، وعرف أنهم هبطوا إحدى الجزر فيما وراء المحيط - ولعله كان على علم بنبأ رحلة برندان - ولا جدال في أنه اطلع على ترجمات الكتب الجغرافية العربية التي تقول بكروية الأرض، وبأن البحر المحيط موصل إلى الهند. ثم استطاع أن يقنع الملكة إيزابلة، وسار بسفنه الشراعية الثلاث في ٣ أغسطس سنة ١٤٩٢ متخذا سبيله في المحيط غرباً، ثم جنوبا بغرب، حتى وصل في ١٢ أكتوبر إلى جزيرة غواني هاني (التي عرفت فيما بعد باسم سان سلفادور) وكأن معاصريه لم يجدوا فيما أتى به بدعاً، ولم يروا فيه أول مقتحم لبحر الظلمات. فضرب لهم مثل البيضة المعروف، ومات في بلد الوليد عام ١٥٠٦ آسفا محسورا.

وبعد فهذه حقائق مستقاة من المصادر العربية، تثبت أن أبناء يعرب جابوا بحر الظلمات قديما. على أن أخبار مقتحميه منهم وما شاهدوا منه وما رأوا لم تلق من الناس والمؤرخين الأقدمين اهتماماً كبيرا. وهناك ولا ريب كثير من رواد المحيط الناطقين بالضاد ركبوا في قوافل بحرية كبيرة مثل ملك (مالي)، بيد أنهم لم يجدوا من يؤرخ لهم. ولا ريب أن بعضهم حط رحاله في ربوع أمريكا الوسطى وجزائرها. لذلك لا نعجب أن رأينا فيها كثيراً من

<<  <  ج:
ص:  >  >>