للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لأنه تاجر يسره أن يرى الدراهم والدنانير ثم يقول له لا ألومك على ما أنت فيه. ولكن محمد بن عبد الملك لا يقنعه أن يصله الحسن بعشرة آلاف درهم، إذ ليس ذلك قصارى غايته مما تطمح إليه نفسه، بل يطلب أن يمثل بين يدي الوزير فيؤذن له فينشده:

لم أمتدحك رجاء المال أطلبه ... لكن لتلبسني التحجيل والغررا

وليس ذلك إلا أنني رجل ... لا أطلب الورد حتى أعرف الصَدرا

فيقدره الحسن قدره، ويعترف له لأنه شاعر مجيد لا يقاس به أحد من الكتاب إلا إبراهيم بن العباس الصولي. على أن الصولي مقل وصاحب قصار ومقطعات، ومحمد بن عبد الملك شاعر يطيل فيجيد ويأتي بالقصار فيجيد.

ويأبى إلا أن يصل إلى الغابة في أن يأخذ الحجة على أبيه بصدق نظره وصحة رأيه فيما هو يرمي إليه من الاشتغال بالأدب، فينتهز فرصة واتته بادر إلى افتارضها، فرد بها حقاً لأبيه كاد يضيع: ذلك أن إبراهيم بن المهدي وثب على الخليفة المأمون، ولما لم يكن لديه من المال ما يعينه على أمره، اقترض من مياسير التجار ما هو في حاجة إليه من المال، وأخذ من عبد الملك بن أبان فيمن أخذ عشرة آلاف درهم، وقال له: أنا أردها إذا جاءني مال، ولم يتم أمر إبراهيم، فاستخفى حيناً ثم ظهر، ورضى عنه المأمون، فطالبه الناس بأموالهم فقال: إنما أخذتها للمسلمين وأردت قضاءها من الفيء لو تم لي الأمر، والأمر الآن إلى غيري

وعلم محمد بن عبد الملك بقصة القرض، فعمل قصيدة يخاطب فيها المأمون بما يوقظ موجدته على إبراهيم بن المهدي، وأطلع أبن المهدي عليها، وقال له: لئن لم تعطني المال الذي اقترضته من أبي لأبعثن بهذه القصيدة إلى المأمون، فخاف ابن المهدي أن يقرأها المأمون فيتدبر ما قاله فيوقع به، فقال له: خذ مني بعض المال ونجم على بعضه، ففعل بعد أن حلفه إبراهيم بأوكد الأيمان ألا يظهر القصيدة في حياة المأمون؛ فوفى له بذلك، ووفى إبراهيم برد المال كله. ويسر أبوه بهذا كله ويعجب، ومن هذه القصيدة ما يأتي:

فو الله ما من توبة نزعت به ... إليك ولا ميل إليك ولا ود

ولكن إخلاص الضمير مقرب ... إلى الله زلفى لا تخيب ولا تكدي

أتاك بها طوعاً إليك بأنفه ... على رغمه واستأثر الله بالحمد

<<  <  ج:
ص:  >  >>