المستهترة التي لا يهمها من عيشتها الا إشباع شهواتها وقضاء ملاذها، ولكن حياة الدعارة والمجون نهايتها دائما محزنة مبكية فنرى في نهاية القصة تلك المرأة التي كانت بالأمس زينة المجالس وبهجة الناظرين تهجر العالم بعد أن عضها البؤس بنابه، وتنزوي بين منعطفات الجبال في كوخ حقير من القش والخرق البالية. . .!
ولعل (تيكاماتسو) أشهر كاتب درامي في اليابان، فهو يعد بحق شكسبير الأدب الياباني. ولكنه اقتصر في مؤلفاته على الإشادة بذكر العواطف الإنسانية العالية وتحليلها كالحب والشرف والإخلاص والعفاف، ويعده البعض بين زمرة الشعراء لأن رواياته كتبها كلها نظما، ولكننا لا ننسى أن معظم كتاب اليابان الأقدمين كتبوا آثارهم شعرا لأنهم عشقوا الشعر وطربوا لأنغامه الموسيقية فألهاهم ذلك عن كل شيء آخر. (وتيكاماتسو) هذا خالق الدراما اليابانية التي تصف الحياة اليومية وتتغلغل في أعماقها وتكشف عما بها من محاسن ومعايب، وتعبر عما تختلج به قلوب الآلاف من المظلومين والمساكين.
ظل الحال على هذا المنوال حتى الثورة اليابانية التي شب لظاها عام ١٨٦٧ والتي يرجع سببها إلى الروح الغربية التي بدأت تتسرب إلى بلاد اليابان الهادئة المطمئنة حوالي ذلك الوقت، فتأثرت الآداب اليابانية كما تأثر الفن الياباني، كذلك لم يسلم من هذا التيار الجديد الحياة الاجتماعية نفسها، فتغير سلوك الفرد ونظام الأسرة، حتى المساكن وأنواع الأطعمة دخل عليها شيء كثير من التعديل والتغيير، وغذى المجتمع الياباني شيء آخر جديد مغاير لليابان إبان عهد هايين أوسيكاكو، وبدأ الشعب الياباني يقف على مسرح الحياة بنفسه بعد أن كان إلى هذا العهد مشاهدا متفرجا لما يقع بين ظهرانيه، اذ بعد أن هدأ تيار الثورة وخمدت الحروب الأهلية حوالي سنة ١٨٨٠ ظهر في الأفق شعاع جديد لامع يبشر بمستقبل أدبي جديد لم تلبث أن أشرقت في أثره شمس الآداب اليابانية الحديثة وهي موضوع الكلام في مقالنا الثاني إن شاء الله.