بدون تفكير منتظم فيشعر الإنسان بالضيق فيضطر بعد ذلك أن يجد له مخرجاً يقضي به الرغبة اللاشعورية التي سببت له هذا الضيق. وقد يكون هذا المخرج عن طريق النكتة والفكاهة وهذا من شأنه أن يقلب وضع الأمور فيخيل للمغلوب أنه غالب، وقد لا يكتفي المغلوب بهذا التخيل فيغالط إذن في اللعب عن قصد وغير قصد. هو إذ يغالط قد يعمل ذلك أيضاً على سبيل النكتة والفكاهة. والشعور في عمله لإزالة ما قعد يشعر به الإنسان من ضيق يرضي الرغبة اللاشعورية فيشعر الإنسان بالسرور والفرح. ويرضى كذلك الضمير لأنه إنما يغالط لأجل الضحك والسرور ولا حرج عليه في ذلك. فبالحزن إذن يسيطر اللاشعور على الشعور ويضطره إلى تنفيذ ما يريد. وهذه هي طريقة اللاشعور السحرية في إملائه لرغباته. أو هذا هو عمل الشيطان في وسوسته لما يبديه. ولعمري لو كان الشيطان جسماً مستقلاً عن جسم الإنسان ولم يكن ممثلاً في العقل الباطن فان هذا العقل هو صلة الاتصال بينه وبين الإنسان.
وفي مثلنا الثاني نجد أن صاحبه بعد أن أمره ضميره بالجلوس عاقلاً مؤدباً ما لبث أن شعر بالقلق في جلسته وسرعان ما فكر في مغادرة المكان، ولكنه لا يعلم سبب قلقه هذا، لأن الضمير قد طرد الفكرة اللاشعورية من الشعور، أو بمعنى آخر فان الضمير كان سبباً لنسيانه كل شيء عن هذه الفتاة. ولا يكون هناك بعد هذا النسيان ما يبرر منع المسير في هذا الطريق لو تذكر الإنسان لزوم قضاء حاجة معينة فيه. وهكذا تلجأ النفس إلى فكرة شراء شيء معين أو مقابلة شخص معين في هذا الطريق بالذات. فيقوم الإنسان من مكانه سائراً في الطريق الذي أراده اللاشعور ويزول القلق الذي سببه إذن هذا الأخير عندما منع عن تحقيق رغبته التي أبداها.
ومع أن اللاشعور يسبب للنفس المتاعب من جراء عدم تلبيتها لطلباتها فيضطرها إلى إجابتها. فانه كالطفل الذي قد يقنع من تحقيق رغبته بالأوهام دون الحقيقة الواقعة. وهكذا نرى في مثلنا الأول أن اللاشعور قد اكتفى بالنكتة والفكاهة دون تحقيق الكسب نفسه. وفي مثلنا الثاني ولو ان صاحبه سار في نفس الطريق الذي أراده اللاشعور إلا أن الغرض من السير قد التوى عليه.
ذلك هو اللاشعور، وقد رأيت أنه الطفل الذي يعيش في الأوهام أو هو الشيطان الذي