يحاول أن يخرج الإنسان من الحقائق إلى عالم الخيال. وقد نجح فعلاً في هذا الأمر أي نجاح سواء مع المرضى أو مع الأصحاء. وهل نرى في العالم شيئاً غير أخيال في كل مكان؟ فالمريض العصبي مريض لأنه تخيل المرض. ويقوم الإنسان من نومه معللاً الآمال على ما وجد في رؤياه من تحقيق أمل يرقبه أو النجاة من مكروه يرهبه. ويستمد الشعراء منه الخيال فتكون الاستعارة والتشبيه والتورية. ويستمد الروائيون منه والفنانون كل دقائق الفن ومعجزاته، فالمثال لم يعمل إلا أنه رغب فتخيل فجسم خياله. وحقق رغبته تحقيقاً رمزياً. وهذا مما يدل في ذاته على أن ذلك الطفل الذي يتذرع بالحزن للحصول على تنفيذ رغباته مع انه قد يقنع بالتحقق الجزئي أو الرمزي لهذه الرغبات، قادر كل القدرة على السيطرة على النفس لأنه تريد أن تتحاشى غضبهفتنفذ له ما يشاء. فهل يمكن بعد ما تقدم أن نستخدم هذه القوة لعلاج بعض الأمراض؟
في الإمكان الإجابة على هذا السؤال بالايجاب، وذلك بواسطة طريق الإيحاء المختلفة، وسنرى فيما يلي كيف يمكن التغلب على هذا الشيطان واستخدامه في أغراض علاجية كثيرة. وإننا نود أن نشير أولاً إلى إن قوة الإيحاء تتوقف على عوامل شتى. وأهم هذه العوامل ما كان بفعل المودة والمحبة والتقدير لأنه بسببها يعتقد اللاشعور بما يوحي إليه تمام الاعتقاد. ويرسله إلى الشعور ليتولى تنفيذه.
ولما كان الإيحاء لا يمكن أن يثمر إلا في وجود الاعتقاد، وكان الاعتقاد أيضاً متوقفاً على العوامل المختلفة السالفة الذكر فانه من الواجب أن تكون شخصية الموحى بعيدة كل البعد عما يسبب الريبة أو الشك، وأن يكون هو نزيهاً يزن كل كلمة يقولها، وأن يكون صالح المريض أول ما يرمي اليه، ونحن إذاأردنا سهولة التعبير وتوخينا إظهار ما نقصده على وجه عام فانه يمكن القول بأن الإيحاء هو وضع أفكار أمام العقل على أمل قبولها والاعتقاد في صحتها. وهي لذلك تأخذ مجرى عكسياً لمجرى الأفكار الذاتية لأنها تبدأ في الشعور أو التمييز ثم تذهب بعد ذلك إلى اللاشعور إذا لم تجد ما يمنع دون الوصول إليه.
وقد يكون الإيحاء من أشق الأمور إذا وجدت أفكار ذاتية تخالفه أو تشك فيه، ويكون من أسهل الأمور إذا وجد من الأفكار الذاتية ما يعززه أو ما لا ينقضه. والإيحاء موجود في الحياة العملية، وقد يكون الموحى أي إنسان مهما يكن مركزه أو عمره. فقد يجتمع اثنان