للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المذاهب الاجتماعية على اختلافها.

فإن الديمقراطية مثلها تقترب من ناحية إلى الاشتراكية كما تقترب من ناحية أخرى إلى النازية أو الدكتاتورية. وإنها لمضطرة لا محالة إلى العدول عن خطة الهوادة والإغضاء في معاملة الخارجين على مبادئ الحرية الفردية والحرية القومية، ومضطرة لا محالة إلى العدول عن خطة الحيدة التامة - من قبل الحكومة - في الرقابة على شؤون الثروة ومسائل الأرزاق، ومضطرة لا محالة إلى اختصار (الإجراءات) الشكلية التي كانت تعوق حركة العمل في الحكومات البرلمانية، وهي اليوم بما تفرض من الضرائب على التركات وعلى الأرباح المفرطة والمرافق العامة أصح اشتراكية من مذاهب الاشتراكيين، لأنها تشارك الأفراد في أملاكهم الخاصة وغلات تلك الأملاك وتنقلها إلى المفتقرين إليها، على سنة الدعاة الشيوعيين الذي جعلوا شعارهم: (من كل حسب ما يستطيع، ولكل حسب ما يحتاج إليه).

إلا أن الفرق بين الديمقراطية والشيوعية في هذه الحالة أن الديمقراطية تدع الفرد مستطيعاً لجمع الثروة حتى يؤخذ منه العون الاجتماعي على حسب ما يستطيع، أما الشيوعية فقد سلبت الفرد نخوة المنافسة وحمية الطموح إلى التفوق، وتركت له شيئاً واحداً وهو أن ينتظر المدد من المجتمع على حسب الحاجة إليه.

ومن ثم لا يبقى بعد الحرب مذهب اجتماعي واحد كما كان قبلها أو أراد دعاته أن يبقى، وإنما تتقارب مع الزمن حتى يخلص منها مذهب واحد جامع لمحاسنها معتبر بمساوئها، والديمقراطية هي المذهب الغالب عليها في النهاية لأنها هي المذهب الذي لا يصطدم في أساسه بموانع التطور والاقتباس، فالشيوعية التي تبيح الملكية وتبيح الميراث تناقض أساس المذهب الذي قامت عليه، والدكتاتورية التي تنكر على الزعيم قداسته تناقض أساسها وتنتزع حجتها في محاربة الديمقراطية، ولكن الديمقراطية التي تحد الملكية على سنة المساواة، أو تزيد في سلطان الوزير المقيد برقابة النواب والناخبين لا تزال ديمقراطية في الصميم ولا تنقض مبدأ من المبادئ التي تقوم عليها الحرية الفردية، وتعاون الأمة ذلك التعاون الذي يشمل الطوائف والأفراد.

ما من حركة إنسانية هي شر محض من مبتدئها إلى منتهاها حتى الحرب العالمية وما

<<  <  ج:
ص:  >  >>