ومن أهّم ما حدّثنا عنه الدكتور الحاضر مسألة الامتيازات الأجنبية، فقال: إنّ لهذه الامتيازات التي تخلصنا من ربقتها أخيراً، أصلا في تاريخ الإسكندرية الوسيطة، وهو أنْ قد كان ما يعرف في تلك الآونة، بالفنادق، وقصة هذه الفنادق، تصور لنا كيف كانت تنشأ بأموال النزلاء الأجانب، على أن تعود ملكيتها إلى السلطان، وللسلطان بعد ذلك أن يصدر أمره إلى كلّ فئة يُقيم كلّ منها في فندق يشرفون منه على مصالح بلادهم الاقتصادية، على إلا يعترف لهم بأكثر من صفة الضيافة!! فهل يرى الدكتور سوريال أوجه شبه بين هذه الفنادق، وبين ما يعرف اليوم بنظام السفارات؟
أما تخطيطات الإسكندرية في العصور الوسطى، فقد شرحها لنا الدكتور المحاضر شرحاً وافياً، مستعيناً بخرائط كان يُعنى بلفت الأنظار إلى ملاحظتها عند كل نقطةٍ من نقاط بحثه، فكانت فرصة طيبة ليتابع المستمعون قصة مدينتهم في إحاطة وعمق، وكانت آيةً على حرص الدكتور سوريال، على أن يحيط متتبعوا محاضرته بعناصر الموضوع المختلفة من شتى الجهات، ولقد كان الدكتور سوريال دقيقاً أجلّ الدقة، في تحفظه حين كان يحدث عن رأى لم يقل العلم بَعْدُ كلمته الفاصلة فيه.
ومن أمتع ما حدثنا عنه الدكتور سوريال، حضارة الإسكندرية الوسيطة، تلك الحضارة التي تتجلى في أروع ظواهرها حين نستعرض مراحل الديانات المختلفة، فيحدثنا الدكتور عن مسجد النبي دانيال حديثاً طلياً عذباً، متتبعاً تاريخه منذ كان معبداً في العهد القديم، إلى أن أصبح مقبرة للاسكندر - فيما يقال - ثم يحدثنا عنه في صورته الحديثة، حديث الأستاذ المحاضر الذي ألمّ بأطراف موضوعه.
- وإني اعتقد أن في هذا النشاط الفكري الذي نلمسه في الإسكندرية الآن، ظاهرة حيوية جديدة، توحي بأن ليس من البعيد أن يعيد التاريخ نفسه، فتصبح الإسكندرية كما كانت، مشعل الحضارة الجديدة، حيثما تستقر النفوس، وحين يتطلع الناس إلى مثل عليا جديدة.