للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حفافي النيل وفوق مجاثم الصخور بأيديهن الألواح والتلاوين، وطفقن يستوحين الطبيعة المصرية الجالبة ويتنافسن في رسم صورها الرائعة مرضاة لمواهبهن المتفتحة واكتساباً لتشجيع رئيستهن الفنية النابغة السيدة زينب عبده.

ولاحت لنا من على عدوة أسوان قبة الهواء تتناوح فيها الريح فوق جبل أسندت فيه رشيقات الأجسام ممن احتملن نقل الأقدام على الرمال حتى أشرفن على النيل وطوفن بمقابر الأمراء ثم صعدن في الروابي والشرفات.

وزين لنا الإلمام بالقبائل التي اعتزلت في ضاحية من أسوان كأنها الصحراء، فرأينا فيها رقص بناتها وترنح شيخاتها، وإنها لزمر تسكن المدر وتعيش على الفطرة نائية عن الحضارة، وفي ضاحية ثانية تقام كل خميس سوق عامة كسوق الجمعة في صالحية دمشق، يبسط فيها للبيع كل أوعية ومتاع، ويتنافس الباعة من نسوة ورجال في عرض بضاعتهم المزجاة، ويزدحم المساومون حولها.

ثم كان يومنا الأخير في أعز ما عند أسوان وهو الخزان، فركبنا سفينة تجري بالبخار، حملتنا في مؤنس الضحى على متن النيل إلى مجثم الخزان، فإذا هو متحبس ماء جبار رابض في قاع من جلمد الصخر، شيدته معجزة العلم الحديث بين ضفتين شاسعتين ومرتفعات راسخة، حصرت الماء الذي رأيناه منبثقاً من خلال الخزان، وكأنه أسنان مشط يرجل ضفائر عروس النيل، فكان الزبد يعلو ثم يهوي فيتفجر دقيق الرؤوس ضخم الأجسام ثم تتناثر منه الأقدام برذاذ كأنه ضباب أو دخان.

وتولع بنا صبية عوامون في النيل حول الخزان، وما راعنا إلا صغير منهم أسود الأديم قفز من ارتفاع عشرين متراً فهوى إلى الماء جنبنا وكأنه بأشق حالك، ولما غاص في الماء ثم عام أخذ يتقلب وكأنه سمكة سوداء.

وكذلك عدنا من أسوان، بمسيرة يوم، معنا لذكراها أوعية من القش موشاة بالألوان ومراوح منسوجة ذوات طرر، وقلائد من العاج سآخذها معي إلى الشام لأذكر بها أسوان كما ذكرتها من قبل إذ قرأت كتب العقاد،

(القاهرة)

وداد سكاكيني

<<  <  ج:
ص:  >  >>