يا طول ساعات ليل العشاق الدنف ... وطول رعيته للنجم في السدف
ماذا تواري ثيابي من أخي حرق ... كأنما الجسم منه دقة الألف
ما قال يا أسعفا يعقوب من كمد ... إلا لطول الذي لاقى من الأسف
من سره أن يرى ميت الهوى دنفاً ... فليستدل على الزيات وليقف
ويتمادى بدافع من التظرف في التشبه بشعراء المجون من أبناء عصره فيظهر الوله بغلام رآه على فرس، ويتغزل فيه على سنتهم ولا يأنف أن يذكر به، بل هو يتمنى أن لو كان فارس ذا الفارس وتؤثر عنه أمثلة من التنادر، تصور ما طبعت عليه نفسه من رقة وظرف في بديهة حاضرة وخاطر سريع وإن ظهر في بعضها متهكما ساخراً، وهو يقدر ما يجابه به أو يكتب إليه من ظريف التنادر فيطرب ويضحك، ويوقع في جو الطرب والضحك بما يريد المتنادر، بل قد يقربه إليه ويصطنعه.
فمن ذلك أنه جلس يوما للمظالم، فلما انتهى المجلس، رأى رجلا جالساً فسأله ألك حاجة؟ قال نعم، أدنني إليك فإنني مظلوم وقد أعوزني الإنصاف. قال ومن ظلمك؟ قال أنت، ولست أصل إليك فأذكر لك حاجتي. قال ومن يحجبك عني؟ قال يحجبني عنك هيبتي لك، وطول لسانك، وفصاحة قولك، واطراد حجتك. قال ففيم ظلمتك؟ قال أخذ وكيلك ضيعتي الفلانية غصباً، فإذا وجب عليها خراج اديته باسمي لئلا يثبت لك ملكها، فوكيلك يأخذ الغلة وأنا أؤدي الخراج، فهل سمعت بمثل هذا في الظلم؟ فقال محمد قولك هذا تحتاج عليه بينة وشهود وأشياء، فقال له الرجل أيؤمنني الوزير حتى أجيب؟ قال نعم أنت آمن. قال البينة هم الشهود، وإذا شهدوا فليس يحتاج معهم إلى شئ، فما معنى قولك بينة وشهود وأشياء؟ إيش هذه الأشياء إلا العي والتغطرش! فضحك وقال صدقت، والبلاء موكل بالمنطق، وإني لأرى فيك مصطنعا، ثم وقع له برد ضيعته.
ومن ذلك أن أبا دهمان المغني سرق منه منديلا ديبقيا، وأخفاه تحت عمامته، وبلغه فقال.