(والناقد البصير مضطر إلى الاعتراف بما لشعراء بغداد النابتين فيها والطارئين عليها من الفضل على الشعر في تنويع أغراضه، وابتكار البارع من معانيه وأخيلته، ونشر الآراء الحرة والمذاهب الجديدة، والبراعة في رسم الصور المبتكرة في الأوصاف وغيرها. كما أنه عليهم تقع تبعة إذاعة الزندقة والتشكيك في العقائد، والاسترسال وراء الأهواء. وهم أول من فتح باب الغزل في المذكر، أو - على الأقل - هم أول من وسع هذا الباب، وأغرقوا فيه أيما إغراق. كما أنهم أول من وسع هذا الباب، وأغرقوا فيه أيما إغراق. كما أنهم أول من وسع باب المجون وغالوا فيه غلواً تستنكره الطباع السليمة والنفوس المستقيمة، ولم يكترثوا لما يتقيد به المؤمنون من كرائم الخلال، ومحامد الخصال وأكثر المندفعين في هذه المسالك من الموالي الذين لم يملأ الإيمان صدورهم، ولا ارتاحت إلى عقولهم من أمثال بشار بن برد وحماد عجرد وحسين بن الضحاك وأبي دلامة. . . الخ)
ثم يجمل ما جد من الشعر ببغداد في نقط كالنقط المدرسية في مذكرات التلاميذ:
(١ - الركون إلى الأنيس من الألفاظ وهجر الغريب الحوشي.
٢ - الإكثار من الألفاظ الدخيلة ولا سيما الدالة على أنواع الخمور وضروب الأزهار وأصناف الأطعمة.
٣ - استعمال مصطلحات العلوم التي كثرت في هذا العصر.
٤ - الاهتمام بالمحسنات البديعية اللفظية منها والمعنوية كالجناس والتورية ورد العجز على الصدر والطباق. وأكثر الشعراء ولعاً بهذه المحسنات مسلم بن الوليد وأبو تمام وعبد الله بن المعتز
٥ - الميل إلى سلامة التراكيب وانسجامها مع الاحتفاظ بجزالة الأسلوب وظهور المعنى).
وعلى النسق نفسه يسرد ما جد في (معاني الشعر وأخليته) وما جد في (أغراضه وفنونه):
واعتقد أن الكتابة على هذا النحو لا تصلح لغير التلاميذ.
وبعد ففي الكتابين كما قلت (معلومات) مفيدة في اختصار ينفع المتزود العجلان. ولكن هذه المعلومات كان يمكن أن تستحيل لبنات متماسكة في بناء الكتابين لو سار المؤلفان الفضلان على منهج (التشخيص) والإحياء الذي أسلفا بيان خصائصه.
وإذا كان للنقد وظيفة فليست وظيفته هي تغيير طبائع المؤلفين المخلوقة، ولا زيادة طاقاتهم