للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من عمل الإنسان المؤيد أو من نتائج تأييده لتلك التعاليم عن طريق عمله العقلي، ولم يكن بوحي أصل من أصول أديان تلك الأمم.

وقبل التفلسف الإنساني أو قبل التفلسف الإغريقي في القرن السادس قبل الميلاد كانت تسيطر إذا على معارف الجماعة الإنسانية عدة مظاهر:

١ - كانت المعارف الدينية وحدها هي التي تقود الإنسان.

٢ - وكانت طاعة الإنسان لهذه المعارف ناشئة عن تقديسه لها واعتقاده بعصمتها.

٣ - وكان القائم بأمر هذه المعارف، سواء بتعليمها وتلقيها أو بشرحها وتحديد مدلولات عباراتها، طائفة معينة هي طائفة الكهنة.

٤ - وعمل الإنسان العقلي كان مرتبطاً بأصول هذه التعاليم وفي خدمتها ولغاية تمكينها من النفوس الحائرة.

وإذا كان القائم بأمر التوجيه في الجماعة الإنسانية طائفة معينة، وإذا كانت في توجيهها تصدر عن إرادة الله ومن تعاليم وسيط في الكون وهو الرسول، وإذا كان غيرها من الطوائف في الجماعة عليه أن يخضع ويطيع فحسب، فليس هناك من ضمان في أن يبقى توجيه الطائفة المعينة في دائرة التعاليم الأولى للدين. وليس هناك من ضمان أيضاً في أن يكون شرحها لهذه التعاليم في حدود الغاية التي يبغيها صاحب الرسالة، بل يجوز أن تجعل هي من الدين سراً تختص بعلمه دون بقية التابعين وهو غير ما عرض على هؤلاء التابعين، ويجوز أن تشرح ما عرف لهؤلاء باسم الدين بما تراه هي لا بما يهدف إليه الدين نفسه. وإذا جعلت من الدين سراً خاصاً بها فليست هناك لأحد استطاعة في أن يراقبها فيه، وإذا فسرت ما عرفه الناس من تعاليم الدين بما تراه هي فإسناد التوجيه إليها خاصة وقيامها وحدها دون سواها بأمر هذه التعاليم يحميها من التجريح ومن رميها بأتباع الهوى والغرض في التفسير. ثم نسبتها إلى مقدس هو الدين يزيد في حميتها وفي إبعاد الأغراض الخاصة عنها.

وفي طبع الإنسان إذا شعر بالتمييز أن يطمع في أن تتسع دائرته حتى ليود أن يصبح طبيعة أخرى مغايرة لطبيعة الإنسان ولكنها أرقى منها. ورجال الدين أو طائفة الكهنة كانت متميزة لأنها اختصت بمعرفة الدين وشرحه والقيام عليه، وطمعت أيضاً في أن يزداد

<<  <  ج:
ص:  >  >>