تميزها. وقد زاد حتى عدت في بعض العهود أبناء للآلهة أو من سلالتها كما اعتبرت بعض الطبقات الأخرى عبيداً لها.
وانقسمت الجماعة الإنسانية عندئذ إلى قسمين متقابلين: قسم شريف هو طائفة الكهنة، وقسم أخر خسيس هو العمال والأكرة.
وإذا الإنسان أو ادعى تميزه إلى حد أن يعتبر طبيعته مغايرة لطبيعة من دونه، في الوقت نفسه يتولى هو أمر هذا الذي دونه، فتوليه للأمر يصدر فيه عن الشعور بالمفارقة. والكهنة كذلك جعلوا تكاليفهم ورسومهم في العبادة مختلفة أيضاً.
وهكذا آل الدين الذي شأنه أن يسوى بين الناس في الطبيعة ويجعل تفاوتهم في بعدهم أو قربهم من مثله الأعلى، إلى أن يكون عاملاً في التفريق بين طبائعهم. وهكذا آل أمر رجال الدين إلى أن يكونوا طبقة متميزة، وآل توجيههم إلى أن يكون إملاءً للمحافظة على تميزهم أو للمحافظة على بقاء دولتهم. وبالتالي أصبح الدين صناعة محتكرة، وأصبحت المعرفة المسيطرة على الجماعة الإنسان إلى سعادته، بل لإسعاد طائفة معينة.
هذا المصير الذي صارت إليه المعرفة الدينية، وصار إليه رجال الدين فيما قبل القرن السادس قبل الميلاد، وصارت إليه الجماعة الإنسانية، حمل بعض الناس على أن يثور، وعلى أن يسلك طريق الفكر في ثورته للرد والإقناع. ولم تكن ثورته الفكرية حباً في معالجة الجدل، بل لوضع حد لامتهان الإنسان، ورد اعتبار الإنسان، وتخليص الإنسان من الإنسان، وإسعاد كل فرد من الإنسان لا طائفة معينة بالذات. وتوجه هذا البعض إلى تعاليم الكهنة لا ليقرها ويقبلها كما كان الشأن بالنسبة إليها بل لينقذها. ومعيار نقده ليس السماع والرواية، وليس الإذعان للعصمة والقداسة، بل عقله ومنطقه.
وأطلق على هذه الثورة الفكرية تفلسفاً. والنفر الذي رفع علم هذه الثورة كان من الإغريق. والشرق إذا كان فكر قبل هذا، وأنتج في محصول الفكر البشري، فقد كان على نحو ما بينا في دائرة الدين ولخدمة المعارف الدينية. والإصلاح التي قامت في الشرق لرفع مستوى الإنسان ورد اعتباره وإزالة الفوارق الطائفية كانت إصلاحات دينية كالزرادشتية والبوذية. فالأولى كانت تعديلا دينياً أو إصلاحاً دينياً للديانة الشعبية الآرية التي قامت على عبادة النار والطبيعة المحسوسة، والثانية كانت تعديلاً للبراهمية التي حولت الجماعة الهندية إلى