للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يريده الأفغاني، وإنها لتهمة مغرضة ينكرها الرجل كما ينكر دعاتها، ولهذا اضطر الرجل أن يرسل هذه الصيحة للتحذير والتنبيه في العدد الثامن من العروة الوثقى إذ يقول: (لا يظنن أحد من الناس أن جريدتنا هذه بتخصيصها المسلمين بالذكر أحياناً ومدافعتها عن حقوقهم تقصد الشقاق بينهم وبين من يجاورهم في أوطانهم، ويتفق معهم في مصالح بلادهم، ويشاركهم المنافع من أجيال طويلة، فليس هذا من شأننا ولا مما نميل إليه، ولا يبيحه ديننا ولا تسمح به شريعتنا، ولكن الغرض تحذير الشرقيين عموماً والمسلمين خصوصاً من تطاول الأجانب عليهم، والإفساد في بلادهم، وقد نخص المسلمين بالخطاب لأنهم العنصر الغالب في الأقطار التي غدر بها الأجانب، واستأثروا بخيراتها، وأذلوا أهلها أجمعين. . .)

فالأفغاني لم يكن داعية تعصب ديني بالمعنى المفهوم في الغرب، ولم يكن داعية تعصب جنسي يقف عند صلات الدم، ولكنه كان ينادي في ذلك بروح الإسلام السمحة، وقد لبث هو وتلاميذه يصولون في مجالس الدعوة بهذه الروح وفي هذا الاتجاه، وإذا كانوا في كتاباتهم قد دعوا إلى العصبية، فإنما هي العصبية للنهوض والأخذ بأسباب التقدم، ولو أننا رجعنا إلى كتاباتهم لرأيناهم يستعملون العربية والشرقية مرادفة للإسلامية، وإنما دعا الأفغاني أتباعه إلى الوحدة الإسلامية لتكون أعم وأشمل، وليدخل في حسابها أمم إسلامية لا تمت إلى العربية ولكن لابد من ضمها إلى الوحدة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فأن (الإسلامية) كانت كما يقول بعض الكتاب: (رمزاً لروح خاص، وعقلية خاصة، وحضارة خاصة أيضاً)، وقد كانت الرباط المتين الذي ربط أجزاء الإمبراطورية العربية على طولها وامتداد في أفريقية وآسيا وأوروبا، وقد كانت تركيا نفسها تحكم هذه الشعوب وتبسط سلطانها على جميع الطوائف في الشرق باسم الإسلام وحمل لواء الخلافة الإسلامية.

والواقع أن الأفغاني لم يكن واهماً في اختيار العامل الديني للوحدة وجمع الكلمة، فقد ظل هذا العامل يكيف التفكير الاجتماعي والاتجاه العمراني في الشرق آماداً طويلة وقروناً متعاقبة، ولم يكن العامل من العوامل في تحريك الوجدانات والعواطف وسحر العقول والقلوب مثل ما كان لذلك العامل العريق الذي صنعه الزمن وقواه التاريخ وأرسخته المشاعر المستغرقة، فكان اختيار الأفغاني اختياراً طبيعياً ضرورياً لا غبار عليه ولا

<<  <  ج:
ص:  >  >>