زهرتي الأولى أن أقدم إليك هذه العبرات الجافة الصامتة وإن كنت تكرهينها؛ فإن فيها تفريجاً عن قلب أبيك الثاكل، وما أملك لك يا أعز الناس عندي غير الذكريات الطيبة طول حياتي، والدعوات الطاهرة في خلواتي وصلواتي. وإلى اللقاء.
والدك الحزين
حسن عبد العزيز الدالى
أرض مصر: معرض صور جان هيكمان
معرض صور جان هيكمان من المعارض القليلة الجديرة بعناية كل مشتغل بالفن محب له. ولا أذكر أني زرت معرضاً حافلاً بالمعاني والدروس مثل هذا المعرض، وصاحبته ولدت في وادينا وعاشت بين ظهرانينا، وهي إن لم تكن مصرية بالدم، فهي مصرية صميمة بالقلب والروح، ومعرضها دليل بليغ على صحة هذا الكلام.
ومن المفرح حقاً أن توفق هذه الفنانة الكبيرة إلى إنتاج هذا الفن المصري الصميم الذي يجمع بين الطابع المحلي البحت والروح الإنسانية الشاملة التي يتميز بها كل فن ناضج في أي بيئة.
ويجب أن نتحدث أولاً عن القيمة الفنية الذاتية لرسوم السيدة جان. وهذه الفنانة تجمع بين الإحساس الفني الصحيح وهو الشعور بالقيم اللدينة للأشكال والأوضاع، ورقة العاطفة وحيويتها، وقوة الخيال واكتماله. ومتى توفرت هذه الملكات لفنان استطاع دون عناء أن يعثر فيما حوله من أشكال على الصور التي يتخذ منها أداة للتعبير عن ذاته، ومع ذلك قد يظل مثل هذا الفنان بعيداً عن روح البيئة التي أنتجته فينتج إنتاجاً خالصاً للفن ينظر إليه المصري بنفس العين التي ينظر بها إليه الصيني مثلاً. ولكن هذه الفنانة، مع احتفاظها بطابعها الشخصي الخالص، استطاعت أن تعبر عن روح بيئتنا تعبيراً وفياً فذاً.
وصورها كلها تمثل مظاهر الحياة المصرية الصميمة التي نشاهدها كل يوم: الفلاحون بملابسهم وأوانيهم، السحنة المصرية تشرق من أساريرها الروح المصرية الصميمة، آلاتنا الموسيقية المحلية الساذجة، الغيط والساقية والقوارب النيلية، والعامل المصري بأعبائه الثقيلة ومسكنه المتواضع.