وصورها لا تمثل (مظاهر الحياة) فقط، بل جوهر الحياة المصرية وروحها، فصورة (الأمومة) تمثل المرأة المصرية الوادعة المستسلمة المستغرقة في شؤون العيش، يفعم قلبها السلام والإيمان مادامت تجد الكفاف، وتمثل صورة (عزبة في إمبابة) منزلاً يكاد يحدثك عن الحياة التي تنطوي عليها جدرانه. وفي صورة (أرض النيل: الفلاح) تخفق روح القرية، بل تكاد وأنت واقف تتأملها تشم رائحة التربة المصرية وتشعر بقلبها النابض، والنسيم المتجاوب في أنحائها، وتلمس شقاء الفلاح وبؤسه وصبره وأمله وإيمانه وتعاونه مع زوجه.
ومن مزايا هذه الفنانة شدة الإحساس بالضوء المصري الصافي وما يضفيه على الألوان من حيوية وقوة، ويتجلى هذا جيداً في المناظر الطبيعية التي رسمتها، وهي نماذج صادقة من الجمال العبقري وأناقة الطبيعة المصرية، كما أنها مفعمة بالإحساس الشاعري الرقيق - وبينما تطالعك لوحة الفلاحين مثلاً بغلطة الحياة الواقعية وقسوتها، كأنها جلاد لا يرحم، تطالعك صورة (المحمودية) بجمال الطبيعة ورقتها وحدبها علينا، كأنها أم رؤوم.
ولا شك أن الفنانة التي تستطيع أن تستوعب كل هذه الاحساسات وتعبر عنها تعبيراً موفقاً فنانة كبيرة - ولا شك أن الفن الذي يجمع بين:(١) الشيء في حد ذاته، أي الشكل ذو الدلالة المعنوية و (٢) التعبير عن رؤيا فنية شخصية و (٣) الإحساس البيئي الاجتماعي الذي يصور الآلام والآمال المشتركة، فن جدير بالذكر والتنويه والدرس والاعتبار. وإني لأزف إلى صديقتي جان أخلص تهنئة على توفيقها التام في رسومها التي تفتح أعيننا على صور الجمال التي تفيض بها (أرض مصر).