لنا مما سبق أن النظم العائلية تختلف في جميع مظاهرها باختلاف الأمم والبيئات وتختلف في الأمة الواحدة باختلاف العصور).
تلك هي خلاصة الكتاب، وهي خلاصة توافق رأي الكثيرين من علماء الإجتماع، وليس فيهم من يخالف الواقع فيما يثبته من التجارب والمشاهدات، ولكن النتيجة مع هذا لا تتحقق على وجه الحتم واللزوم في جميع تلك المشاهدات.
لأن اختلاف النظم العائلية بين الأمم أو اختلافها في الأمة الواحدة بين العصور لا يقطع الصلة بينها وبين الغريزة ولا يجعلها عملاً مستقلاً عنها غير متأثر بدواعيها.
وإلا لوجب القول بأن الغرائز الإنسانية قد بطلت وبطلت آثارها في جميع الأحوال التي تلابس الحياة الاجتماعية، لأن الحياة الاجتماعية تنظم تلك الغرائز على ضروب من النظم لا تزال مختلفات في جميع الأمم وجميع العصور. فغريزة حفظ البقاء معدومة إذن لأن الناس يتقون الخطر ويجلبون الأمن ويستشفون من الأمراض بما لا يحصى من أساليب السكن واللباس والطعام والطب والدواء والسلاح، ولا يزالون على اختلاف في هذه الأشياء بين الأمم والأجيال.
والقوانين التي تروض الجشع والعدوات أو تروض الشر بضروبه لا تتفق بين الناس على اختلاف الأمم والأجيال، فهي إذن تقول لنا باختلافها وتطورها إنها شيء منعزل عن الغرائز الإنسانية لا يتأثر بدواعيها ولا باعث لها إلا تلك المصطلحات التي يرتضيها العقل الجمعي والقواعد التي تختارها المجتمعات.
وكل أولئك لا يقال ولا يعقل إذا قيل، فلماذا يقال إن الغريزة بمعزل عن الأسرة، لأن نظام الأسرة متعدد متجدد من قديم الزمان؟
إن أمرين اثنين تختلف النظم العائلية ما تختلف بين الشعوب والأجيال وهما ماثلان في كل أسرة وفي كل شعب وفي كل جيل، وهما حضانة الطفل والألفة الحميمة بين فئة من الأقرباء، وكلا هذين الأمرين قائم على الغريزة الفطرية دون سواها على نحو متشابه في جميع الأجناس وجميع العصور.
فمن الخصائص الفطرية في الإنسان أنه طويل الحضانة لأطفاله، ضرورة لازمة لا دخل فيها للمجتمعات ولا لقوانين الاجتماع، ومن هذه الخصائص أنه يحتاج إلى الألفة الحميمة