حين نقول إن منع الزواج من المحارم قد أفضى بالنوع الإنساني إلى ثروة شعورية لم يكن ليطمع فيها بغير هذه الوسيلة، فكأنما يتجه النوع الإنساني من قديم الزمن إلى (تخليص) الشعور وتنويعه في العلاقة بين الأقربين والبعداء، فلا يشعر الرجل بالمرأة الأخت أو الأم، كما يشعر بالمرأة الزوج أو المرشحة للزواج، ولا تزال هناك ضروب من العطف بين الأقربين لا تقتصر على ضرب واحد ولا تتشابه فيها الأواصر والصلات. ومعنى ذلك أن الإنسان يحرص على أنواع كثيرة من القرابة العائلية ولا يريد أن يخلطها بعلاقات المجتمع الذي لا قرابة فيه.
إن أواصر القرابة تختلف بين الأمم والأجيال فتشمل في أمة ما تستثنيه في أمة أخرى، وتنكر في هذا الجيل ما تعترف به في ذاك. ولكن هل يقع هذا الاختلاف لو لم يكن في طبيعة الإنسان استعداد للشعور بالقرابة أياً كان عنوان القريب؟ وهل أنكر الإنسان قط قرابة من القرابات إلا ليعترف بقرابة تعدلها أو تنوب عنها؟ وهل أنكر ما أنكره طويلاً دون أن يعود إليه؟
فالغريزة وراء الظواهر الاجتماعية في جميع هذه الأحوال، والفطرة الإنسانية أحوج فطرة بين الأحياء إلى النشأة في أسرة والاتصال بقرابة عائلية. ويغلو في القول من يرجع بكل ظاهرة من ظواهر الأسرة إلى الاجتماع لأن الناس يعيشون جماعات جماعات. فإن انتساب الفرد إلى أمة لا يغنيه عن النشأة العائلية بحال من الأحوال، ولو جاء الوقت الذي تهدم فيه الأسرة وتلغى فيه الأمومة والأبوة لتحل في محلها (تربية المجتمع) لكان ذلك تبديلاً في الخلق ولم يكن تبديلاً في النشأة الاجتماعية وكفى، لأن الفطرة قد عودت الأحياء أن يخدم الفرد نوعه، وهو يشعر بأنه يخدم نفسه لفرط ما يخالجه من اللذة والسرور بإنجاب الذرية. فماذا لو قيل غداً إن اللذة الجنسية ليست أصلاً من دوام النوع، وإن الحمل قد يتم بغير هذه اللذة التي يشعر بها الآباء والأمهات؟
إن من يقول بذلك لن يكون في مقاله أغرب ممن يزعم أن المجتمع ينشئ الأطفال بغير حضانة الأمهات والآباء، وأن الفطرة تستقيم على هذه التنشئة لأنها وضع من أوضاع الاجتماع.
ولقد أحسن صاحب الكتاب في تسجيل المشاهدات وتقرير وجهات النظر بين العلماء،