والمهم أن كلمة (التعاون) لا تبقي بعد هذا البيان أملاً. غامضاً مبهماً. بل تصبح حقائق ووقائع في متناول التفكير والتنفيذ.
وأمر آخر يقرره هذا الكتاب في نفوس القراء.
إنه يطلع الشرق العربي على دخيلة نفسه وحقيقة حاله! فحاجاته الثقافية، والوسائل التي يملكها لسد هذه الحاجات، يضعها المؤلف بمهارة وبساطة تحت عين هذا الشرق العربي. وكأنما يرفع في وجهه المرآة ليراه!
والذين يستطيعون أن يرفعوا المرآة في وجه الشعوب ببساطة فائقة ومهارة كبيرة قليلون جداً بين الباحثين والكتاب. والذين يستطيعون أن يرفعوا هذه المرآة في اللحظة المناسبة هم أقل من القليل. ومن هؤلاء الآخرين الأستاذ عبد الله مسنوق الأديب اللبناني صاحب هذا الكتاب!
وهو يرقع المرآة في وجه الشرق العربي ليقول له: إنه في حقيقته وحدة متعاونة، وأجزاء متكاملة. وهو لا يعتمد في تقرير هذه الحقيقة على الأساليب الحماسية، بل يبدو أن هذه الحقيقة جزء طبيعي من إحساسه العادي بالمسألة. فحين يتحدث عن بعثات أمم الجامعية العربية إلى البلاد الأوربية ينظر إليها كأنها بعثات بلد واحد، لتلبية حاجة البلد الواحد، ويصوغ رأيه فيها بهذه البساطة العميقة:
(أما التعاون بين العرب في البعثات إلى الخارج، فأمر يحتاج إلى تنسيق حتى تكون الجهود منسجمة، فلا يحدث تضخم في ناحية من نواحي الاختصاص، وقحط في النواحي الأخرى؛ فليس من الضروري أن يتخصص رجال كل قطر في وقت واحد في الجامعات الغربية في علم الآثار والعاديات والقانون والآداب والفلسفة واللغات القديمة وفن القتال والهندسة وعلم المعادن والزراعة والميكانيك ومختلف الصناعات، وما إليها من أنواع التخصص، لأن أمثال هذه البعثات تكلف موازنات الدول مبالغ قد لا تتحملها. ولذلك يحسن أن توزع هذه النواحي بين الحكومات العربية وفقاً لمقدرتها ودرجة احتياجها، على أن تتعاون هذه الدول فيما بينها بتبادل الخبرات والأساتذة لسد النقص الناشئ عن هذا التوزيع. . .).
وبنفس هذه الروح يعالج مسألة (تبادل البعثات بين الأقطار العربية) فيسميها (كوتا العلم)