السماء التي سأعرج أليها. وغضضت البصر. ووليت الدنيا ظهري. فوجدت نفسي في حجرة التحنيط المقدسة. وقد ملأ روحي سرور إلهي لا يوصف. .
وانتهت أيام التحنيط السبعون. فجاء الرجل مرة أخرى، واستخرجوا الجثة من الحوض وأدرجوها في الأكفان، وأتوا بالتابوت وقد زالوا غطاءه بصورة جميلة لتوتي الشاب ووضعوا فيه الجثة، ثم رفعوه على أعناقهم وساروا به إلى الخارج، فتلقاه المشيعون من الأهل والجيران بالعويل واللطم، وعاد النواح كأفظع مما كان يوم النعي، وذهبوا إلى شاطئ النيل، وهبطوا إلى سفينة كبيرة أقلعت بهم صوب مدينة الأبدية على الشاطئ الغربي، والتفوا بالتابوت يصوتون وينوحون. قالت أمي:(لا جف لي دمع، ولا اطمأن لي قلب من بعدك يا توتي!). وصاحت زوجي:(لماذا قضى علي بأن أعيش بعدك يا زوجي!)
وقال حاجب الأمير:(توتي أيها الكاتب المجيد. لقد تركت مكانك شاغراً!)
ولبثت أنظر بهاتين العينين اللتين تنكرتا لماضيهما، وكأن سبباً لم يصلني يوماً بهذه الدنيا، ولا بهؤلاء الناس. ورست السفينة إلى الشاطئ، فرفعوا التابوت مرة أخرى، ومضوا به إلى المقبرة التي أنفقت في تشييدها جل ثروتي، وأحلوه موضعه من الحجرة. وفي أثناء ذلك كان جماعة من الكهنة يتلون بعض الآيات من كتاب الموتى، يلقنونني التعاليم الهادية من أقوم سبيل! ثم جعلوا ينسحبون تباعاً حتى خلا القبر، ولم يعد يسمع من شيء إلا العويل الآتي من بعيد، وأغلقت الأبواب وهيلت عليها الرمال، فانقطعت كل صلة بين العالم الذي ودعت، والدنيا التي أستقبل. . .
ملاحظة: هنا انقطعت الكتابة في المخطوط الهيروغليفي، ولعل فترة الانتظار التي أشار إليها الكاتب في أول كتابه كانت قد انتهت. ولعل رحلته الأبدية كانت قد بدأت، فشغل بها عن قلمه المحبوب، وعن كل شيء.