وخمول الموظف وقعوده عن الجد في العمل نوع من الملل، والخمود السياسي والفكري والاجتماعي نوع من الملل، والرغبة في الانتحار نوع من الملل، وكثيراً ما يكون الميل إلى الكيوف والإدمان عليها نوعاً من الملل، وكثيراً ما يكون الشقاق العائلي وشقاء المنزل والمشادة بين الزوجين أحياناً والأبوين وأولادهما أحياناً نوعاً من الملل، إلى كثير من أمثال ذلك، وكلها أمراض صعبة التشخيص صعبة العلاج، تحتاج إلى نوع من الطب النفسي أدق من طب الأجسام، وتحتاج إلى مهارة في علم النفس لا تقل أهمية عن المهارة في علوم الطب.
من اجل هذا أصبحت الحياة فناً يجب أن يدرس، وأصبحت طريقتنا في الحياة طريقة بالية، إذا ارتقى وتعقد اصبح فناً يحتاج إلى الدراسة، وأصبحت الطريقة الساذجة فيه لا تغني، فأمهاتنا يربين أولادهن حسبما اتفق، ثم أصبحت التربية فناً، ومعلمونا كانوا يعلمون حيثما اتفق، ثم اصبح فناً؛ ومغنونا كانوا يغنون حسبما اتفق، ثم صار الغناء فناً - كذلك الحياة نفسها نحياها الآن حيثما اتفق، ولكنها تعقدت واصبح حل عقدها يحتاج إلى دراسة ودراسات - وأصبحت المرأة في حاجة لان تتجدد في بيتها حتى لا يمل زوجها، والزوج يتجدد حتى لا تمل زوجته، والمعلم يتجدد حتى لا يمل طلبته، ورئيس الحزب يتجدد حتى لا يمل اتباعه، وأصحاب الملاهي يتجددون حتى لا يملوا.
والتغلب على الملل ليس من الأمور الهينة، فليس كل تغيير يصلح لإزالة السام، إنما يصلح التغيير يوم تدرس النفس ويدرس نوع التغيير، كما يدرس المرض ويدرس نوع العلاج، ويكون الدواء طبق الداء.