للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الخطب، وفكر في هاتيك الأيام التي كنت تطل فيها من شرفة قصرك، على أولئك الآلاف المؤلفة من الشخوص السود، أبطال الفاشست، فتصرخ فيهم حتى تتمزق حنجرتك، وتتفجر رئتاك، وهم يجيبون بدوي يهتز له ذلك القصر. . . أين هؤلاء الذين أعددتهم ليكونوا عدتك في بنيك على طرابلس؟ أين ذلك الحماس وذلك الدوي؟ مجد بنيته في الهواء فضربته الرياح! يا غازي طرابلس، لقد كانت فرقة المغازية من الطرابلسيين وإخوانهم المسلمين أول فرقة وطئت أرضك، وغزت بلادك، وطاردتك حتى سقطت في الفخ، كما تسقط الضبع الخبيثة التي لا تأكل إلا لحوم الموتى لأنها لا تجرؤ على الأحياء! لا لست الأسد الجريح، ولا النسر المهيض!

فكر في ذلك الشيخ الشهيد الذي ملأ مصرعه كل قلب بغضاً لك، وكل عين دمعاً عليه، لقد انتقم الله له، ولكننا لا نريد أن يفعل بك ما فعلت به لأنا أكرم منك أصلاً وفرعاً، وأنبل خلقاً وطبعاً، ولأن نبينا نهانا عن المثلة، وأمرنا بالرفق حتى بالحيوان فلا نذبحه إلا بشفرة حادة، فاطمئن فقد أحدت لك الشفرة!

يا موسوليني، وما إياك نخاطب. لقد صرت أقل أذل من أن تخاطب؛ ولكن ليعتبر قوم لم يقلوا بعد قلتك، ولم يذلوا ذلتك. يا موسوليني أنا لا نشمت، وما الشماتة سجية فينا، ولكنا تدل على مكان العبرة فيك، حين نلت جزاءك. . . لقد أوكت يداك، ونفخ فوك، فغرقت، فالحمد لله الذي أنقذ الأرض منك أقر بك عيون من ظلمت، وأرانا فيك هذا اليوم الأسود. اللهم أنعمت فزد، فإنها لا تزال الأرض تعج بالظالمين!

القاهرة

علي الطنطاوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>