الدائمو الفكر فيه، يفتحون له أبواب ضمائرهم كلما أحسوا نسائم رحمته أو عواصف نقمته! وحينئذ يدخلها سره، ويلقي فيها ما يشاء، ثم يتركهم فترات ليفكروا ويقدروا. . .
والمعرضون عنه الغافلون عن جلاله وعلمه، لا يفتحون له قلوبهم إلا كما يفتح البخيل باب داره. . فلا يحسون قربه ونفاذه إلى ضمائرهم. .
اللياذ والاحتماء
هل نملك ونحن عجزة ضعفاء، غير أن نتعلق بيد الله رب العزة والجبروت قهار السموات والأرض، وصاحب هذه الدار التي أدخلنا إليها وجعل لنا فيها مثل ما لغيرنا، فاعتدى علينا الظلمة أمام ساحة عدله، وهو ينظر القاتل والمقتول؟
هل نملك غير أن نتعلق بهذه اليد القاهرة، نسألها أن تبطش بالذين غيروا ما وضعته، وأفسدوا ما أصلحته، وشوشوا ما سوته، وحرموا الضعاف من برها وعطفها المباح؟!
لقد عجزنا وذهبت حيلتنا! وطمست علينا وجوه السبل لننقذ أنفسنا وننقذ ما فرحنا به من صور المثل العليا ومباهج الحياة! ولم يبق لنا إلا التعلق بيده، نسألها حيلتها ومكرها ليحيق بمكرها ليحيق بمكر أهل السوء!
لا وجوه:
لا وجه يطالعني مما أرى في الطبيعة ولا مما وراءها. . . لا وجه واضح المعالم محدث اللسان مضيء العينين! إنما هي أجسام غير محدودة ولا مشكلة إلا في النبات والحيوان. . . وما عداهما فأهراء من التراب والسحاب والحجارة. . . وأنصاب من الجبال، وأغوار من المياه. . . ثم صمت يكتنف الجميع. . . . . .
أمد نظري إلى عالم التراب فيقف مصدودا لدى عتبات الباب. . وأمده إلى السحاب فيضيع في الضباب. . . وأمده إلى النجوم فيرتد حسيراً، وأمده إلى أغوار الماء فلا يرى إلا خياله. . .
لا وجه إلا وجه الإنسان؛ وهذا قريب حاضر، ولكنه مثلي قاصر. . . ووجه الله، وهذا بعيد جليل لا يستطاع التحديق إليه. . .!
طالما وقفت وقوف العاجز المسجون أطلب أن أرى وجهاً آخر غير وجه الإنسان ليحدثني