للسلطان محمود الغزنوي وهو في وسط معركة حامية الوطيس تحف به فيلته وجنوده على طريقة الهنود في المعارك، فلما أبصر ابنه أبو سعيد هذه الصورة وهو طفل يافع نقش على جدران البيت أسماء الله الحسنى فلم يترك مكاناً إلا كتب عليه اسم الله العظيم. فلما رأى ذلك والده امتعض كثيراً ووبخه على عمله الذي سبب تسويد الجدران وتشويه منظرها. فما كان من الطفل إلا أن أجاب:(نقشت يا والدي على الجدار اسم سلطانك، ونقشت أنا اسم سلطاني)
فخجل الوالد من هذا الجواب وأمر بإزالة معالم ما رسمه هو على الجدار.
درس أبو سعيد، على طريقته ذلك الوقت، النحو والفقه والتفسير والحديث والشعر وعلم الطريقة، وحفظ من شعر العرب وحده ثلاثين ألف بيت ناهيك بشعر العجم. ولما توسم أبوه فيه الخير أخذه إلى أكبر شيخ في بلده وهو الشيخ أبو القاسم الكركاني من كبار المتصوفة وأصحاب الطرق ليتبرك به ولينال على يديه العلم والفوز والسعادة.
كانت الأحوال السياسية والاجتماعية في هذا العصر سيئة جداً: أمراء يتذابحون على جيف الدنيا، وسلاطين يتقاتلون على ملك زائل لن يدوم، ومشايخ يتحاسدون على نعمة لا تساوي شيئاً،
وانحطاط في الخلق إلى أقصى حد، ونقص في المثل الإسلامية العليا، وشذوذ في الطبع غريب، وتكالب غلى المادة. فرأى الناس أن المخرج الوحيد للخروج من هذا المأزق هو محاربة المادة عن طريق التصوف، ومجاهدة الدنيا عن طريق الزهد. فنفقت سوق المتصوفة وراجت بضاعتها. ويجب ألا ننسى بأننا في بلد فيه استعداد لهذا المبدأ قديم، والهند وهي عش من أعشاش التصوف تجاوره وقد أمدته وغذته بهذه المادة منذ العصور التي سبقت الإسلام.
وكانت العادة أن ينتقل طالب العلم في ذلك الوقت من مكان إلى مكان طلباً للعلم وبحثاً عن شيخ شهير. وفي ذات يوم وبينما كان الغلام يغادر المدرسة إلى البيت إذا بأحد الفضوليين من المارة يسأله عما درس وعن الكتاب الذي درس فيه، وأخيراً عن (ماهية الحقيقة) ولما لم يكن أبو سعيد يعرف شيئاً عن ماهية الحقيقة تشوش واضطرب، فأجيب:(حقيقة العلم ما كشف عن السرائر) فأثار هذا الجواب في نفسه شوقاً عظيماً إلى معرفة الحقيقة ولم يزل