انتحلوه من آراء الأعاجم دون أن يشيروا إليها أو يدلوا عليها؟ داء عسير دواؤه أصيبت به الطبيعة الشرقية لضعف في النفوس وجهل بها، وعجز من الابتكار والاختراع، واستهانة بالقراء، وغرام بالشهرة ولو كاذبة. وشجع على استفحاله أن الشرقي ولا سيما المصري لم يعد إعداداً يحبب إليه القراءة والاطلاع، والتعمق في العلم، فهو يكتفي بما يقع تحت بصره دون تطلع إلى ما وراء ذلك؛ وكان جهله باللغات الأعجمية أو بأكثرها من العوامل التي جعلته يقف في قراءته عندما كتب بالعربية.
إن هذا الفريق من الأدعياء سينكشف أمره، وسيرى مجده يتداعى يوم أن ينقل إلى اللسان العربي جميع ما ألف في سواه أو جمهرته، ويطلع الناس على مصدر الآراء التي ارتفع بها أقوام لا يستحقون الرفعة فينزلونهم من حالق. وسيوصد الباب أمام هذه الفئة الطفيلية فتتخلص من شرورها وغطرستها.
وحبذا لو فكر القائمون بالأمر في وزارة المعارف في إرسال البعوث من ذوي الكفاية في اللغة العربية لدراسة اللغة الأعجمية في مهدها، ولا سيما قد انفتح الطريق الآن بيننا وبين بعض هذه البقاع. ولو أن السنة التي خطها صاحب المعالي محمد حلمي عيسى باشا حين كان وزيراً للمعارف في عام ١٩٣٣ اتبعت منذئذ لتجمع لدينا الآن عدداً لا يستهان به من الشبان الأكفاء الذين يسند إليهم هذا العمل الجليل؛ فلقد أرسل معاليه بعثة للترجمة والتحرير إلى فرنسا وألمانيا وإنجلترا كانت الأولى والأخيرة. وشاء تغير الوزراء من بعده؛ وعدم استقرار سياسة التعليم، ونقض كل وزير ما أبرم سلفه أن يغفل هذا الأمر!
ولعل وزارة المعارف إن وصلت إليها هذه النصيحة وكتب لها أن تستأنف إرسال بعوث الترجمة أن تسند إليهم متى عادوا - بعد عمر طويل - أعمال الترجمة نفسها لا أن تكل إليهم أمر تعلية خزان أسوان أو كهربة خط حلوان، أو أن تكافئهم على جدهم بتكليفهم العمل في حقول التجارب وفلاحة البساتين.