للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

واتصل أبو سعيد علي ما يروى بالمتصوف الشهير أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشري (المتوفي عام ٤٦٥ للهجرة) (وقد تلقى القشري أول الأمر هذا الزائر الجديد بشيء من الحذر والنفور، ولكنه ائتلف به وأصبح صديقه الحميم فيما بعد، وتلك خاتمة يلوح لنا أنها بعيدة الاحتمال).

حاول القشيري وهو من رجال التصرف في رسالته الشهرة (الرسالة القشيرية) (كتبها سنة ٤٣٧ للجرة) جمع خلاصة آراء وأفكار المتصرفة للتوفيق بين آراء المتصوفة وبين آراء جماع المسلمين والرهنة على أن التصوف أصل الإسلام. وذكر طائفة من كبار المتصوفة بما فيهم الخلفاء الراشدون والأئمة العلويون وأكثر الصحابة، وقد فاته أن التصرف الذي كان عليه في وقته لم يكن معروفاً بهذا الشكل في صدر الإسلام، وأن الصحابة كانوا يؤاخذون الناس عليه كما فعل الخليفة عثمان بعامر بن عبد الله ابن قيس الذي ترهب وتزهد في البصرة وامتنع عن أكل اللحوم والزبد والجبن وكل منتوج للحيوان، وأعرض عن الزواج وعُرف (براهب الأمة)

والتقى أبو سعيد بالفيلسوف ابن سينا على ما ذكره فريد الدين العطار في كتابه. والظاهر أن هذا اللقاء بنيسابور حيث أقام بها أبو سعيد محترماً مقرباً من عالمها الكبير إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني. وابن سينا الذي اشتهر بنظم الشعر باللغة العربية اشتهر بنظم الرباعيات بالفارسية فهو زميل منافس لصاحبنا المتصوف. ولعل هذه المنافسة هي التي أدّت إلى نفرة أبي سعيد من ابن سينا، ثم إلى ردة على ابن سينا برباعية من رباعياته المشهورة.

تمتع أبو سعيد بشهرة عظيمة في بلاد فارس حيث كان محط الرحال إلى أن جاءه الأجل المحتوم في سنة ٤٤٠ للهجرة فدفن في مسقط رأسه (ميهنة) وبذلك تم دخوله في عالم الفناء.

مات أبو سعيد فكتب حياة هذا المتصوف حفيده محمد بن أبي المنوّر، وعلى هذه الترجمة اعتمد فريد الدين العطار في كتابه (نفحات الأنس).

بغداد

الدكتور جواد علي

<<  <  ج:
ص:  >  >>