سؤال تقدم به بطرس إلى الطبيعة نفسها لا إلى عدو أو صديق من البشر، ومعضلة ينبغي أن يحلها رحالة مستكشف لا قائد محارب. وللطبيعة سر لا تسلمه إلا لمن ينتصر عليها؛ والانتصار على الطبيعة غير المحدودة ولا المتناهية. . . الطبيعة ذات الأسرار الرهيبة والمفاجآت المربكة والقوى المحتشدة الكامنة التي تعصف بقوى الإنسان قبل أن يشعر بمجرد وجودها، فضلا عن أن ينهض إلى خصومتها - الانتصار على هذه الطبيعة - وتلك صفاتها - غير الانتصار على كتيبة من جند السويد، أو نشر شباك مكيدة حول تركيا، أو انتهاز فرصة اضطراب داخلي في بولندا. . .
وكان بطرس ممن يحسنون تخير الرجال. فليس يزكي التاريخ (فيتوس بيرنج) بأكثر من أن يسجل أن بطرس قد انتقاه لمهمة خطيرة كانت شغله الشاغل وهو يجود بآخر أنفاس من حياته. . . مهمة مات بطرس - كنحوينا المعروف - وفي نفسه منها شيء!
وكان بيرنج من أبناء دنمركة. ولد في هورستنز عام ١٦٨٠، وتقلب في أحضان البحر منذ صباه فنشأ بحاراً بالسليقة إن صحت العبارة. . .
وقد زار المحيطين الأطلسي والهادي قبل أن يلتحق - وهو في الثالثة والعشرين من عمره - بالأسطول الروسي الحديث الذي أقام دعائمه بطرس الأكبر. واشترك بيرنج في الحرب البحرية ضد السويد فأبلى البلاء الحسن، وكان من اثر ذلك أن قرر القيصر إيفاده على رأس البعث الذي أعده لكشف مجاهل شرقي آسيا وما يكتنفه من مياه. ولم يحل دون ذلك ما كان من مرض بطرس (الذي انتهى بموته)، ولا ما حدث من اضطراب في الأحوال الاقتصادية على آخر عهده.
ولقد كانت تلك في الواقع أعجب رحلة كشفية يشهدها العالم، منذ أن قام الفينيقيون في عهد فرعون مصر (نخاو) بطوافهم المشهور حول القارة الأفريقية.
عبر مجاهل سيبريا
كانت أرض روسيا خلواً من المسالك والطرق؛ وسيبريا التي تشغل شطرها الشرقي حتى المحيط لا تعدو أن تكون سهوبا مقفرة شديدة الإيحاش يسيطر عليها شتاء قاس رهيب لا تتبلج في دهمته إلا غزر أيام من الصيف ضئيلات قصار.
وكان على بيرنج أن يقود بعثته مدى ألف ميل خلال هذه الأصقاع الموحشة حتى يبلغ