للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المحيط فيبدأ أعماله الاستكشافية؛ وكان عليه أيضاً - إذا قُدر له أن يبلغ المحيط ناجياً - مهمةُ ابتناء السفن اللازمة لهذه الرحلة الخطرة. وإن من نكد الدنيا حقا أن ينوء هذا الرحالة الجريء بعبء ستة عشر عاماً من الجهاد المضني، قبل أن يتاح له تقديم جواب صحيح عن ذلك السؤال المعجز لبطرس الأكبر. ثم هو لا يفرغ من ذلك إلا ليفارق حياته مبتئساً عليلاً فوق جزيرة نائية، بعد معاناة خطوب فوادح وأهوال جسام. . .

غادر بيرنج مدينة بطرسبرج في فبراير عام ١٧٢٥م على رأس خمسمائة من الرجال ما بين بحار وقين وكاتب ونجار وصانع شراع، وكان معهم ثمانمائة دابة حمولة تقل ما يحتاجون إليه من الميرة والذخيرة؛ وقد ارتفقوا بسائر ما يلزمهم عدا نفسها، إذ كانت مادتها الخشبية وقتذاك لا تزال جذوعاً ضخمة تغتذي وتنمو على الشاطئ الشمالي الشرقي من آسيا، في انتظار أن يأتي القوم فيقتطعوها ويصوغوا منها مطاياهم إلى البحر.

وكان على الركب الحاشد أن يقطع جبالاً شوامخ، وأن يصنع لدى كل معبر نهرٍ زوارق وأطوافاً يجتاز عليها من شاطئ إلى شاطئ، ثم يخلفها وراءه تنعى من شادها. وقد قضى البعث شتاءه الأول في أيْلمسْك الواقعة على مدى ثلاثمائة ميل تقريباً شمالي إركُستك وما كاد يتبلج وجه الربيع حتى تابعوا مسيرهم خلال مستنقعات وغابات ومجار من الماء عميقة وجبال وعرة المسالك أدت بهم إلى بلوغ ياكتسك على نهر لينا؛ وهناك ألجأتهم ضرورة النقل ومشقاته إلى أن ينقسموا أقساماً: فمضى فريق على رأسه سبانجبرج في أسطول صغير من الأطواف عبر المسالك المائية المنحدرة شرقاً، وتقدم بيرنج بطريق البر ومعه الجياد ومائتان من الرجال. . في حين تبعهما الفريق الثالث عن كثب.

وبعد رحيل شاق مضنِ استغرق سبعة أسابيع وصل بيرنج إلى أوخُتْسك حيث اقتطع رجاله ما يلزمهم من الخشب لإنشاء السفن وتشييد أرباض الشتاء. .

أما سبانجبرج فقد قطع عليه البرد طريقة، ونفقت ركائبه بفعل الجليد وانخفاض درجة الحرارة إلى السبعين تحت الصفر. ولم يتصل بيرنج إلا بعد انقضاء عامين فقد خلالهما ثمانية عشر من رجاله.

وكان بيرنج قد أنجز في هذه الفترة تشييد أولى سفائنه (ذي فرشونا) وانتقل فيها مع رجاله وذخائره ومعداته إلى بُولْثِرِ تْسْك: في شبه جزيرة كامتشاتكا. وهناك أنشأ سفينته الثانية

<<  <  ج:
ص:  >  >>