(جبرائيل)، فأستنفذ بذلك ثلاث سنوات وخمسة شهور في عمل مضنِ وكفاح متواصل قبل أن يتهيأ له القيام بمهمته الرئيسية. . . وهي التقصَّي عن خبر آسيا ومبتدأ أمريكا. .
هذه آسيا. . . فأين أمريكا؟
في العاشر من يوليو سنة ١٧٢٨ أبحر بيرنج من كامتشاتكا ميمماً صوب الشمال؛ والتقى في إحدى الجزائر المأهولة بمن أفضى إليه من سكانها بحقائق نفعته. فقد علم أن الساحل الأسيوي بعد امتداده نحو الشمال قليلاً ينحرف إلى الغرب. وبذلك تمثلت لديه أول فكرة عن انقطاع آسيا في هذا الموضع واحتمال قيام أمريكا بإزائها. ومر بيرنج أثناء ذلك بجزيرة كبيرة أسماها سنت لورنس، احتفاء بذكرى القديس الذي اكتشفها يوم عيده. وفي السادس والعشرين من أغسطس طاف حول رأس (إيست كيب) الواقع في أقصى الطرف الشمالي الشرقي من آسيا؛ وتحقق لديه يومئذ أن اليابسة تنحرف نحو الشمال الغربي، فتتبع ساحل آسيا الشمالي إلى مدى ستمائة ميل غرباً حتى بلغ خليج تشْوان: وعرف أن آسيا تنتهي حقيقة في هذا الموضع، لكنه لم يعثر بعد على القارة المزعومة التي قيل إنها تواجه آسيا عبر المحيط، والتي يحتمل أن تكون أمريكا نفسها. ولا ذبيرنج بسواحل كامتشاتكا طوال أشهر الشتاء، ثم انطلق يبحث عن أمريكا في ربيع عام ١٧٢٩ متجهاً صوب الشرق. ولما أعجزه الوقوع على طلبته كر أدراجه عائداً إلى بطرسبرج؛ وهناك قص حديث مغامرته العجيب فأثار ضده عاصفة قوية من السخرية والتكذيب. . . عاصفة أنسته بشدتها ما قاس من عواصف سيبريا، وهونت لديه ما لقي من قواصف المحيط. .
وكانت القصيرة كترينها التي خلفت بطرس الأكبر على عرش روسيا لا تقل عن سلفها طموحاً في الغاية ولا جرأة في العمل؛ وقد اثر في نفسها ما لقيته مساعي بيرنج من إنكار وجمود وأعجبها من الرجل شهامته ونبل سلوكه، فأبت أن تقطع الألسنة الحداد اللائى سلقنه إلا بمزيد من تكريمه وتوكيد الثقة به؛ وعهدت إليه برياسة بعث آخر أخطر من سابقه شاناً. . .